للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وأجيب عن ذلك من وجهين]

[الوجه الأول]

أن حديث النهي عن بيعتين في بيعة حديث حسن إلا أن قوله: (فله أوكسهما أو الربا) قد تفرد بها يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة، وهي زيادة شاذة، وقد سبق بيان ذلك في مسألة: حكم بيع العينة، فأغنى عن إعادته هنا.

وأما كلام ابن مسعود رضي الله عنه فهو محتمل، ويحمل على أن المراد أن يبيع الرجل السلعة بعشرة نقدًا، أو بعشرين نسيئة، فيفترق المتبايعان دون تعيين أحد الثمنين.

وبهذا فسره أكثر أهل العلم، ونقل ذلك الترمذي في سننه (١)، وهي صورة من صور بيعتين في بيعة عند الحنفية (٢)، وهو أشهر التأويلين في مذهب الشافعية (٣)،


(١) سنن الترمذي (٣/ ٥٣٣).
(٢) بدائع الصنائع (٥/ ١٥٨)، المبسوط (١٣/ ٨)، أحكام القرآن للجصاص (١/ ٦٣٨)، فتح القدير (٦/ ٢٦٢).
(٣) المهذب (١/ ٢٦٦، ٢٦٧)، التنبية (ص: ٨٩)، أسنى المطالب (٢/ ٣٠)، وقال الغزالي في الوسيط (٣/ ٧١): «نهيه عن بيعتين في بيعة، ذكر الشافعي رضي الله عنه تأويلين، أحدهما: أن تقول: بعتك بألفين نسيئة، أو بألف نقدًا. أيهما شئت أخذت به، فأخذ بأحدهما فهو فاسد؛ لأنه إبهام وتعليق.
والآخر أن تقول: بعتك عبدي على أن تبيعني فرسك، وهو فاسد؛ لأنه شرط لا يلزم، ويتفاوت بعدمه مقصود العقد، وقد نهي مطلقًا عن بيع وشرط، وكذلك نهى عن بيع وسلف، ومعناه: أن يشترط فيه قرضًا».
وقال النووي في المجموع (٩/ ٤١٢): «والأول أشهر، وعلى التقديرين: البيع باطل بالإجماع».
وقال الشافعي في الأم (٧/ ٢٩١): «ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر، ومنه أن أقول: سلعتي هذه لك بعشرة نقدًا، أو بخمسة عشر إلى أجل، فقد وجب عليه بأحد الثمنين؛ لأن البيع لم ينعقد بشيء معلوم».
فقوله: «فقد وجب عليه بأحد الثمنين» وقوله: «لأن البيع لم ينعقد بشيء معلوم» كله يدل على أن المشتري لم يأخذه بأحدهما.

وعلل بطلان البيع بالجهالة صاحب مغني المحتاج (٢/ ٣١)، وصاحب كتاب فتح الوهاب (١/ ٢٨٣)، مما يدل على أن الثمن مجهول، وإذا أخذه بأحدهما لم يكن الثمن مجهولًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>