فتلك الآية في جنس المعاوضات، وهذه الآية في جنس التبرعات، ولم يشترط لفظًا معينًا، ولا فعلًا معينًا، يدل على التراضي، وعلى طيب النفس، ونحن نعلم بالاضطرار من عادات الناس في أقوالهم وأفعالهم أنهم يعلمون التراضي وطيب النفس بطرق متعددة، والعلم به ضروري في غالب ما يعتاد من العقود، وهو ظاهر في بعضها، فإذا وجد تعلق الحكم به بدلالة القرآن.
[الدليل الثاني]
أن الله سبحانه وتعالى أحل البيع، ولم يبين كيفيته، فوجب الرجوع فيه إلى العرف، كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق، وهكذا كل شيء ليس له حد في الشرع، وليس له حد في اللغة فالمرجع فيه إلى العرف.
بيان ذلك: أن هذه الأسماء جاءت في كتاب الله وسنة رسوله» معلقًا بها أحكام شرعية، وكل اسم لا بد له من حد، فمنه ما يعلم حده باللغة، كالشمس والقمر، والبر والبحر، والسماء والأرض. ومنه ما يعلم بالشرع، كالمؤمن والكافر، والمنافق، وكالصلاة والزكاة، والصيام، والحج، وما لم يكن له حد في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى عرف الناس، كالقبض المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم:(من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه).
ومعلوم أن البيع والإجارة والهبة ونحوها لم يحد الشارع لها حدًا في كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نقل عن أحد من الصحابة والتابعين