للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثالث: التسليم بأن التأمين فيه غرر كثير، والأصل فيه التحريم، ولكن أباحته الحاجة.]

نسلم بأن عقد التأمين ينطوي على غرر كثير، وأن الأصل فيه التحريم، ولكن أباحته الحاجة الملحة العامة. وهذا ما أميل إليه.

يقول ابن تيمية: «مفسدة الغرر أقل من الربا، فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة منه، فإن تحريمه أشد ضررًا من كونه غررًا، مثل بيع العقار جملة، وإن لم يعلم دواخل الحيطان والأساس، ومثل بيع الحيوان الحامل أو المرضع، وإن لم يعلم مقدار الحمل، أو اللبن، وإن كان قد نهي عن بيع الحمل منفردًا، وكذلك اللبن عند الأكثرين .. » (١).

وابن تيمية، وإن مثل لقاعدته في الغرر التابع، والغرر اليسير؛ لأن ابن تيمية من عادته إذا ساق الأمثلة، اختار من الأمثلة ما لا نزاع فيه، ولكن العبرة بالقاعدة التي ساقها ابن تيمية، فإنه رخص في الغرر إذا دعت إليه الحاجة، والغرر الذي تبيحه الحاجة أعم من الغرر اليسير أو التابع، فهذان يباحان مع قيام الحاجة، وبدونها.

ويقول ابن تيمية أيضًا: «من أصول الشرع، أنه إذا تعارضت المصلحة، والمفسدة قدم أرجحهما، فهو إنما نهى عن بيع الغرر، لما فيه من المخاطرة التي تضر بأحدهما، وفي المنع مما يحتاجون إليه من البيع ضرر أعظم من ذلك، فلا يمنعهم الضرر اليسير، بوقوعهم في الضرر الكثير، بل يدفع أعظم الضررين باحتمال أدناهما، ولهذا لما نهاهم عن المزابنة، لما فيها من نوع ربا، أو مخاطرة، أباحها لهم في العرايا للحاجة؛ لأن ضرر المنع من ذلك أشد،


(١) القواعد النورانية (ص: ١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>