[م - ١٤] سبق لنا أن ذكرنا ستة أنواع من حقوق الارتفاق، وهي حق الشرب، وحق المجرى، وحق المسيل، وحق المرور، وحق التعلي، وحق الجوار، ولم يتعارف قديمًا على غير هذه الحقوق، فهل يحق إنشاء حقوق ارتفاق أخرى سوى ما ذكر، في هذا خلاف بين العلماء،
فيرى الحنفية أنه لا يجوز لمالك عقار أن ينشئ على عقاره حقوق ارتفاق أخرى؛ لأن في إنشائها تقييدًا للملكية التامة، والأصل فيها أنها لا تقبل التقييد، وما قيدت بتلك الحقوق إلا استثناء، ولا يتوسع في الاستثناء.
ولأن المنافع والحقوق ليست بأموال عندهم فلا يصح أن تكون محلًا للمعاوضة استقلالًا، أما إذا دخل هذا الحق في العقد تبرعًا، فإن هذا التبرع يعتبر إعارة، وهي لا تفيد التزامًا، فيصح له أن يرجع في إعارته، مع أن حقوق الارتفاق ثابتة دائمة لا يملك معطيها الرجوع فيها.
ويرى بعض العلماء، ومنهم المالكية أن المالك حر فيما ينشئ على عقاره من حقوق لعقار غيره، وأن الحقوق لم تكن محصورة فيما سبق ذكره، فإذا كان لشخص قطعة أرض معدة للبناء بجوار داره، فباعها، واشترط على المشتري أن لا يقيم بناء ملاصقًا لبنائه، أو أن يبني بارتفاع معين لا يتجاوزه، وقبل المشتري، تم العقد، وصح الشرط (١).
(١) راجع في هذا (الحق والذمة - الشيخ علي الخفيف ص: ٦٤) وكتاب المدخل للفقه الإسلامي د. محمد سلام مدكور (ص: ٥١٠ - ٥١١)، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة (ص: ٤٧).