دلت الآية على أن الرهن لا يكون إلا مقبوضاً، وذلك أن موجب الرهن الحبس الدائم للمرهون حتى الإبراء أو الوفاء؛ وذلك لأن المقصود من الرهن إنما هو التوثق لاستيفاء المرتهن دينه عند مطل الراهن، أو إفلاسه، وبه يأمن المرتهن على ماله من الضياع، وهذا لا يحصل إلا بثبوت الحبس الدائم، ولا يتصور الحبس الدائم في المشاع؛ لأنه يبطل بالمهايأة، فينتفع المالك يوماً بحكم الملك، ويحفظه المرتهن يوماً بحكم الرهن، فكأنه رهنه يوماً، ويوماً لا. وإذا كان لا يمكن حبس المشاع دائماً لم يصح رهن المشاع.
ولا فرق في ذلك بين الشريك والأجنبي، أما الأجنبي فلما تقدم، وأما الشريك فلأن دوام الحبس الذي هو موجب الرهن متعذر مع الشريك أيضاً؛ لأنه ينتفع به يوماً بحكم الملك، ويحبسه المرتهن يوماً بحكم الرهن، فكأن الراهن رهنه يوماً، ويوماً لا. وبهذا يفوت دوام الحبس (١).
[ونوقش هذا من وجوه]
[الوجه الأول]
لا نسلم أن القبض شرط لصحة الرهن، لأن الله تعالى ذكر أعلى أنواع الاستيثاق، وهو القبض؛ لأنهم في حالة السفر، وعدم وجود الكاتب، قال تعالى:{وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ}[البقرة:٢٨٣]. فإذا جاز الرهن في الحضر، ومع وجود الكاتب، جاز الرهن مقبوضاً وغير مقبوض.