الإجماع العملي فأنت ترى المسلمين في جميع البلاد يبيعون بالأثمان المؤجلة من غير كتابة ولا إشهاد، وذلك إجماع عملي على عدم وجوبها، وقولنا: إجماع عملي خروجًا من الخلاف اللفظي المحفوظ في المسألة.
قال أبو بكر الجصاص:«ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة، والإشهاد، والرهن المذكور جميعه في هذه الآية ندب وإرشاد إلى ما لنا فيه الحظ والصلاح، والاحتياط للدين والدنيا، وأن شيئًا منه غير واجب. وقد نقلت الأمة خلف عن سلف عقود المداينات، والأشربة، والبياعات في أمصارهم من غير إشهاد، مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم، ولو كان الإشهاد واجبًا لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به. وفي ذلك دليل على أنهم رأوه ندبًا، وذلك منقول من عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا، ولو كانت الصحابة والتابعون تشهد على بياعاتها، وأشربتها لورد النقل به متواترًا مستفيضًا، ولأنكرت على فاعله ترك الإشهاد، فلما لم ينقل عنهم الإشهاد بالنقل المستفيض، ولا إظهار النكير على تاركه من العامة، ثبت بذلك أن الكتاب والإشهاد في الديون والبياعات غير واجبين»(١).
[الدليل الثاني]
جعل الله سبحانه وتعالى المداينات في آية الدين على ثلاثة أقسام: دين بكتاب وشهود، ودين برهان مقبوضة، ودين بالأمانة، فلما جازت المداينات بالأمانة دون كتابة،