وقد ناقشت في القول السابق أن حكم التصرف في الوديعة يتعلق بالحكم التكليفي، وأن الخلاف في هذه المسألة ليس في جواز التصرف في الوديعة، ولكن الخلاف هل تبقى وديعة بعد التصرف فيها، أم تتحول إلى قرض.
[الدليل الثاني]
نحن نشترط في الوديعة الجارية ألا يوجد إذن بالاستعمال أو تفويض من صاحب المال، فإن وجد إذن أو تفويض بالاستعمال تحول المال إلى مال مضاربة، وهذا عكس القول السابق.
يقول الدكتور عيسى عبده:
«وفي ممارسة الأعمال المصرفية في زماننا هذا يتعين على المودِع أن يحدد قصده، بمعنى ألا يأذن بالتصرف، أو يأذن ويفوض، فإن كانت الأولى فإن تصرف البنك تحت مسئوليته وحده، وإن كانت الثانية أخذ الوديعة حكم القراض (المضاربة) الشرعي» (١). اهـ
وإذا كان البنك قد اعتاد أن يتصرف فيها حسبما جرت به عادة المصارف فإن هذا التصرف المنفرد من جانب البنك لا يمكن أن يحسب على المودِع، وينسحب على إرادته، فيفسرها على الاتجاه من الإيداع إلى الإقراض، فإرادة المودع لم تتجه أبدًا في هذا النوع من الإيداع نحو القرض، كما أن البنك لم يتسلم هذه الوديعة على أنها قرض، بدليل أنه يتقاضى أجرة على حفظ الوديعة تحت الطلب بعكس الوديعة لأجل التي يدفع هو عليها فائدة (ربا) وبدليل الحذر الشديد في استعمالها والتصرف فيها من جانبه، ثم المبادرة الفورية بردها عند
(١) انظر العقود الشرعية الحاكمة للمعاملات المالية المعاصرة - عيسى عبده (ص:١١٣)، وسيأتي نقل ما يدعم وجهة نظر الدكتور عيسى عبده، والجواب عليه.