للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستهلك، ولأن الجيدة منها لا تخلو من قليل غش إذا لا تنطبع بدونه، فلا يمكن التحرز منه (١).

[الصورة الثانية]

أن يكون الغش هو الغالب، والنقد أقل منه:

فإن كان النقد لا يخلص عن طريق الإذابة والسبك، فإن حكمها حكم النحاس الخالص؛ لأن الفضة إذا كانت مستهلكة يكون حكمها حكم العدم.

ولأن النقد ما دام أنه ليس له عين قائمة فهو في حكم العدم، وفي حكم بيع البيت المموه بذهب بذهب مع التفاضل، وقد أجازه ابن قدامة بالإجماع (٢).

وإن كان النقد يخلص عن طريق الإذابة، فيعتبران كأنهما جنسان منفصلان، ولا يجعل أحدهما تبعًا للآخر، وفي هذه الحالة لا يجوز بيعه بنقد خالص من جنسه إلا إذا كان النقد الخالص أكثر من الذي معه غيره، حتى يكون صرف النقد بما يماثله من النقد الخالص، وما زاد من النقد ا لخالص يقابل المادة المغشوشة في النقد المغشوش، تمامًا كما قلنا: في بيع الحلي بالذهب، وفي مسألة مد عجوة.

وأخذ بهذا القول ابن تيمية من الحنابلة، حيث أجاز بيع الخالص بالمغشوش إن كان الغش يسيرًا، وكذلك إذا كان النقد الخالص أكثر من النقد المغشوش بحيث يقابل الغش بالزيادة. أما إذا كان المغشوش أكثر من الخالص فهذا لا يجوز باتفاق المسلمين، قاله ابن تيمية (٣).


(١) بدائع الصنائع (٥/ ١٩٦)، فتح القدير (٧/ ١٥١ - ١٥٢)، الدر المختار (٥/ ٢٦٧)، العناية شرح الهداية (٧/ ١٥١ - ١٥٢).
(٢) المغني (٤/ ٤٥).
(٣) جاء في مجموع الفتاوى (٢٩/ ٤٥١ - ٤٥٢): «وسئل عمن يبيع فضة خالصة بفضة مغشوشة، الدرهم بدرهم ونصف، فأجاب: لا يجوز بيع الفضة بالفضة إلا مثلًا بمثل، وإذا كان الغش الذي في الفضة لا يقصد بالفضة جاز. وأما إن كانت الفضة أكثر من الفضة لم يجز، لا سيما إن كانت الفضة التي في المغشوش أكثر من الخالصة فهذا لا يجوز باتفاق المسلمين.
وسئل عن بيع الفضة بالفضة المغشوشة متفاضلًا؟
فأجاب: إذا كانت الفضة الخالصة في أحدهما بقدر الفضة الخالصة في الأخرى، وهي المقصودة، والنحاس يذهب، وقد علم قدر ذلك بالتحري والاجتهاد فهذا يجوز في أحد قولي العلماء، وكذلك إذا كانت الفضة المفردة أكثر من الفضة المغشوشة بشيء يسير بقدر النحاس فهذا يجوز في أظهر قولي العلماء، وأما إذا كانت الفضة المغشوشة أكثر من المفردة فانه لا يجوز والله أعلم. وقال أيضًا: (٢٩/ ٤٥٣): «إذا كان المقصود بيع دراهم بدراهم مثلها، وكان المفرد أكثر من المخلوط، كما في الدراهم الخالصة بالمغشوشة بحيث تكون الزيادة في مقابلة الخلط لم يكن في هذا من مفسدة الربا شيء إذ ليس المقصود بيع دراهم بدراهم أكثر منها ولا هو بما يحتمل أن يكون فيه ذلك فيجوز التفاوت».

<<  <  ج: ص:  >  >>