وفي اتفاق المسلمين على صحة صلاة من هذا وصفه دلالة على أن النهي إذا لم يتعلق بمعنى في نفس العقد، أو في نفس القربة المفعولة، أو بما هو من شروطها التي تختص بها، أنه لا يمنع صحة العقد، ووقوع القربة موقع الجواز، ألا ترى أن تخليص الرجل من الغرق ليس من الصلاة، ولا من شروطها في شيء. ألا ترى أن من عليه تخليص الغريق لو اشتغل بالصلاة أيضا كان عاصيًا في اشتغاله عن تخليصه وأن أذان الجمعة ليس من نفس البيع، ولا من شرطه، فلم يفسد البيع من أجله، وإن كان منهيًا عنه؛ لأن المعنى فيه الاشتغال عن صلاة الجمعة لا البيع؛ لأنه لو لم ينعقد البيع في ذلك الوقت، واشتغل بغيره كان النهي قائما في اشتغاله بغير الصلاة فعلمت أن النهي إنما تناول الاشتغال عن الجمعة، لا البيع نفسه، وكذلك النهي عن تلقي الجلب وبيع حاضر لباد إنما هو لأجل حق الغير، لا لأجل البيع، وكذلك في استيام الرجل على سوم أخيه، أنه منهي عنه ولو عقد البيع على هذا الوجه كان العقد صحيحًا مع كونه منهيا عنه؛ لأن النهي عنه إنما تعلق لحق المساوم، لا بالعقد نفسه. ونظائر ذلك كثيرة وفيما ذكرنا تنبيه على المعنى في أشباهه فصار ما ذكرنا أصلا في هذه المسائل (١).
[الراجح من الخلاف]
الأصل الشرعي في النهي المطلق أنه يقتضي فساد المنهي عنه، فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى باجتناب ما نهى عنه، أو نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، ووقوعه منا مخالفة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وجد ما يدل على صحة الفعل بعد وقوعه عمل بذلك، كما أننا نقول: الأصل في الأمر الوجوب، وفي النهي التحريم، وإذا ما