للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث

الحكم الوضعي للتدليس

قال الماوردي: تدليس العيوب في العقود يوجب الخيار، ولا يوجب الفسخ (١).

قال ابن قدامة: كل تدليس بما يختلف به الثمن يثبت خيار الرد (٢).

[م-٥٧٩] عرفنا في المبحث السابق الحكم التكليفي للتدليس، وأنه حرام، فإذا دلس البائع فهل يبطل البيع بالتدليس؟

الأصل في تحريم التدليس حديث أبي هريرة في التصرية:

(ح-٤٦٣) فقد روى البخاري من طريق جعفر بن ربيعة، عن الأعرج.

قال أبو هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاع تمر (٣).

وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في الموقف من هذا الحديث على أقوال.

[القول الأول]

ذهب أبو حنيفة ومحمد بن الحسن رحمهما الله إلى أنه لا خيار للمشتري بسبب التصرية، وهو قول أشهب من المالكية (٤).


(١) الحاوي (٩/ ١٤١).
(٢) الكافي (٢/ ٨٢).
(٣) صحيح البخاري (٢١٤٨)، ورواه مسلم (١١ - ١٥١٥).
(٤) ومع أن أبا حنيفة ومحمد بن الحسن رحمهما الله تعالى ذهبا إلى القول بعدم الرد بسبب التصرية، والسبب في هذا أنهما لا يريان التصرية عيبًا، فالخلاف خلاف في تحقيق المناط، وليس في أصل القول، وكذلك لا يعتبرونه عيبًا لو ألبس عبده ثياب الخبازين، فظنه خبازًا فليس له أن يرده؛ أو سود أنامله، وأجلسه على المعرض حتى ظنه المشتري كاتبًا، فليس له أن يرده؛ لأنه مغتر، وليس بمغرور، وأما الرد بالعيب فأبو حنيفة ومحمد بن الحسن يقولان بخيار العيب، فإذا ظهر في السلعة عيب، وكتمه البائع، فللمشتري الخيار، وهو أحد نوعي التدليس، لأن التدليس تارة يكون في كتمان عيب في السلعة، وتارة يكون في إظهارها بصفة الكمال، وهي ليست كذلك كما في التصرية، قال في بدائع الصنائع (٥/ ٢٢٠): «السلامة من العيب مطلوبة، ففواتها يوجب الخيار كما في سائر البياعات».
وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ١٩): «ألا ترى أن رجلًا لو اشترى عبدًا، فقبضه، وتفرقا، ثم رأى به عيبًا بعد ذلك أن له رده على بائعه باتفاق المسلمين». وانظر تبيين الحقائق (٦/ ٧٧)، البحر الرائق (٨/ ٢٨٧)، وانظر قول أشهب في التاج والإكليل (٤/ ٤٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>