بأن الموصي لما أفرد ملك المنفعة بالوصية عن ملك الرقبة أصبح ملك المنفعة ليس تابعًا لملك الرقبة، فلا تكون الوصية بها وصية بمال الوارث، فالمنافع تحدث على ملك الموصى له منفصلة عن ملك الرقبة، فإذا صح أن يكون مالك العين غير مالك المنفعة لم تكن المنفعة قد حدثت على ملك الوارث، كالوقف فإن الموقوف عليه يملك المنفعة ولا يملك العين، والله أعلم.
[الدليل الثاني]
أن من أوصى بالمنافع لشخص على الدوام لم يترك للورثة ما ينتفعون به، فلا يجوز أن يحسب ذلك عليهم من الميراث، فإنه لا فائدة في رقبة مسلوبة المنافع، بل هو ضرر محض عليهم، وقد شرط الله تعالى لجواز الوصية عدم المضارة، فإذا أراد الوارث أن يبيع عينًا لا نفع فيها لم يصح البيع؛ لأن من شروط البيع أن تكون العين مشتملة على منفعة مقصودة، ولهذا الدابة إذا كانت زمنة لا يصح بيعها؛ لفوات منفعتها، وإن كانت عينها قائمة، فإن قصد الموصي الوصية بالمنافع على الدوام للموصى له فهي وصية بالرقبة، فلا يحتسب على الورثة منها شيء، فإن صرح الموصي بأنه يبقي الرقبة للورثة، أو يوصي بها لآخر بطلت الوصية لامتناع أن تكون المنافع كلها لشخص، والرقبة لآخر، ولا سبيل لترجيح أحد الأمرين فيبطلان، والدليل على أن تمليك جميع المنافع تمليك للعين بالرقبى والعمرى فإنها تمليك للرقبة حيث كانت تمليكًا للمنافع في الحياة (١).