قوله - صلى الله عليه وسلم -: (مكتوبة عنده) دليل على ثبوت الوصية بالكتابة ولو لم يقرن ذلك بالإشهاد، فمن كتب وصيته فقد امتثل أمر نبيه، ولذلك قال ابن عمر: لم أبت ليلة إلا ووصيتي مكتوبة عندي، ولم يزد على ذلك. ولو كانت الكتابة لا تغني إلا بالإشهاد لذكره النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما لم يذكر مع الكتابة أمرًا زائدًا دل على صحة الاكتفاء بها، ولولا أن ذلك كاف، لما كان لكتابته فائدة؛ لأن الإشهاد وحده يغني عن الكتابة، وهل من البلاغة أن يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الإشهاد مع كونه مطلوبًا، ومغنيًا عن الكتابة، ويذكر الكتابة وحدها، مع أن الاقتصار عليها لا ينفع، ولا يغني عن الإشهاد، هذا لا يصح في حق أفصح وأنصح الخلق، ومن أعطي جوامع الكلم، فلما اقتصر على الكتابة دل على صحة ثبوت الوصية بها، ولذلك في الديون لما كانت الكتابة وحدها لا تكفي طلب مع الكتابة الإشهاد، فقال تعالى:{إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} إلى قوله سبحانه وتعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ}[البقرة: ٢٨٢].
فصح أن الوصية يتسامح فيها ما لا يتسامح في غيرها من الحقوق لكثرة تغيرها، وتجددها.
قال الصنعاني: «قال بعض أئمة الشافعية: إن ذلك خاص بالوصية، وأنه يجوز الاعتماد على الخط فيها من دون شهادة؛ لثبوت الخبر فيها؛ ولأن الوصية لما أمر الشارع بها، وهي تكون مما يلزم من حقوق ولوازم، كان حقها أن تجدد في الأوقات، واستصحاب الإشهاد في كل لازم يريد أن يتخلص منه خشية مفاجأة الأجل متعسر، بل متعذر في بعض الأوقات، فيلزم منه عدم وجوب الوصية أو شرعيتها بالكتابة من دون شهادة؛ إذ لا فائدة في ذلك، وقد ثبت الأمر