فهم يرون أن عقد التوريد قد يكون سلمًا، وقد يكون استصناعًا، وقد يكون بيع سلعة معينة غائبة عن مجلس العقد، وحكمه في هذه الحال يأخذ حكم كل مسألة من هذه المسائل. وقد تكلمنا عنها فيما سبق.
[القول الثاني]
يرى أن عقد التوريد من العقود المستحدثة والجديدة، والشريعة ترحب بالعقود الجديدة ما دامت قائمة على التراضي، وما دامت ... لا تحل حرامًا، ولا تحرم حلالًا، ولأن عقد التوريد يرجع إلى عقود المقاولات، وعقود المقاولات هي عقود مستجدة عرفت في هذا العصر، وكون عقد المقاولة يشبه الاستصناع أو يشبه عقد الإيجار هذا شبه عارض لا يختلف في حقيقته عن ذلك الشبه الذي يجده المرء بين العقود القديمة ذاتها.
فعلى سبيل المثال من الوارد أن يجد المرء ثمة تشابهًا بين شركة العنان، وشركة المفاوضة، وذلك على مستوى كون كل واحد منهما اتفاقًا قائمًا على الخلط بين المالين، بيد أنه من المعروف أن لكل واحدة منهما كيانها الخاص، وأنهما تختلفان في قضايا أخرى متصلة بحقيقتهما وجوهرهما مما يحتم عدم إلحاق إحداهما بالأخرى في الحكم.
فإذا أسقطنا عقد الاستصناع على عقد المقاولة كنا محكومين بالشروط التي وضعها الحنفية في عقد الاستصناع، من ذلك أن يجري العمل فيه بين الناس؛ لأن عقد الاستصناع جرى على خلاف القياس، بينما هذا الشرط ليس قائمًا في عقد المقاولة، كما يرى جمهور الحنفية خلافًا لأبي يوسف أن عقد الاستصناع عقد غير لازم قبل البدء بالعمل من الجانبين، وعقد المقاولة ليس كذلك.