[م - ٥٩] الأصل في ألفاظ العقود أن تكون مطابقة للمعنى المراد من العاقدين؛ لأن اللفظ هو المعبر عن المعنى القائم في نفس المتعاقدين، والأصل حمل كلام المتعاقدين على ظاهره، واللغة ما جعلت إلا لتعبر عما في النفس، ولو حملنا الكلام على غير ظاهره بدون صارف بطلت فائدة اللغة وفائدة التخاطب، وهذا مما لا خلاف فيه، ولكن الخلاف فيما لو تيقنا أن العاقد أراد معنى مخالفًا للفظ الصادر منه، فهل يغلب اللفظ، أو يغلب المعنى باعتباره هو المقصود، واللفظ مجرد دليل عليه؟
أضرب مثالًا ليتضح المقصود، لو أعار رجل شيئًا، وشرط عوضًا، فهل يعتبر العقد عارية، أو يعتبر إجارة لاشتراط العوض فيه؟
ولو قال: بعتك هذا الثوب بلا ثمن، فهل ينعقد هبة أو بيعًا؟
فإن نظرنا إلى اللفظ فإن الإيجاب صادر بلفظ البيع، وإذا نظرنا إلى المعنى، وكون التمليك بدون عوض فهو يدل على أن العقد من عقود التبرعات.
ولو قال العاقد: وهبتك هذه الدابة بألف، فهل ذكر العوض يجعل العقد من عقود المعاوضات فيكون بيعًا، أو نعتبر اللفظ، ونفسد العقد؛ لأن عقود التبرعات لا عوض فيها، وهكذا إذا جاء اللفظ في العقود مخالفًا للمعنى الذي أراده العاقدان، فهل المعتبر اللفظ أو المراد المعنى؟
[في هذا خلاف بين أهل العلم]
فقيل: المعتبر هو المعنى الذي قصده العاقدان، واللفظ تابع للمعنى، فإذا