للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على معان لا يجترئ عليها صاحياً كالسفيه، ولو علم أنه بلغ حد الإغماء لما اقتص منه، ولا لزمه طلاق ولا غيره كسائر من أغمي عليه .... » (١).

واستدلوا على هذا بأن الله سبحانه وتعالى خاطب السكران بقوله: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣].

فلو كان المقصود بالسكران من ذهب عقله بالكلية لكان بمعنى المجنون، وبالتالي لا يصح أن يوجه له أمر ونهي، فكيف ينهى عن قربان الصلاة، ... وأما من صار إلى حد لا يعقل ما يأتي ويذر، فذلك منتقل من السكر إلى الخبل، ومعدود في المجانين، وليس ذلك الذي خوطب بقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} [النساء:٤٣]؛ لأن ذلك مجنون، وإنما خوطب به السكران، والسكران ما وصفنا صفته (٢).

وهذا القول هو أحد القولين عن ابن قدامة من الحنابلة، فإنه قال: «السكران لا يزول عقله بالكلية، ولهذا يتقي المحذورات، ويفرح بما يسره، ويساء بما يضره، ويزول سكره عن قرب من الزمان، فأشبه الناعس بخلاف النائم والمجنون».

° الراجح من الخلاف:

أرى أن القول بالتفصيل هو الأقوى: وأن الذي لا يتأثر بالسكر مطلقاً لكونه قد شرب قليلاً منه، أو لكونه قد اعتاد شربه حتى أصبح لا يؤثر في عقله، أنه لا فرق بينه وبين الصاحي؛ لأن الحكم يدور مع علته، فالعلة هي الخوف من تأثير


(١). مواهب الجليل (٤/ ٢٤٣)، وانظر المنتقى للباجي (٤/ ١٢٥).
(٢). تفسير الطبري (٥/ ٩٦ - ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>