(٢) مواهب الجليل (٤/ ٣٨٥)، وقال في منح الجليل (٥/ ٢٦): «قال مالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم: النهي يدل على الفساد. وقال أبو حنيفة: يدل على الصحة. فكل واحد طرد أصله إلا مالكًا - أي لم يطرد حكمه في هذا الباب - فقال أبو حنيفة: يجوز التصرف في المبيع بيعًا فاسدًا ابتداء وهذه هي الصحة. وقال الشافعي ومن وافقه: لا يثبت أصلًا، ولو تداولته الأملاك وهذا هو الفساد. وقال أيضًا: «طرد الحنفي أصله، وقال إذا اشترى جارية شراء فاسدًا جاز له وطؤها وكذا سائر العقود الفاسدة وطرد الشافعي أصله، وقال: يحرم الانتفاع مطلقًا، وإن باعه ألف بيع وجب نقضه ونحن خالفنا أصلنا، وراعينا الخلاف، وقلنا: البيع الفاسد يثبت شبهة الملك فيما يقبله فإذا لحقه أحد أربعة أشياء تقرر الملك بالقيمة، وهي حوالة السوق - أي تغيره- وتلف العين، ونقصانها، وتعلق حق الغير بها على تفصيل في ذلك في كتب الفروع .... وقال ابن مسلمة: يمضي الفاسد المختلف فيه .... ». وقال ابن رشد في بداية المجتهد (٢/ ١٤٥): «القسم الرابع من النظر المشترك في البيوع: وهو النظر في حكم البيع الفاسد إذا وقع. فنقول: اتفق العلماء على أن البيوع الفاسدة إذا وقعت ولم تفت بإحداث عقد فيها أو نماء أو نقصان أو حوالة سوق أن حكمها الرد - أعني أن يرد البائع الثمن والمشتري المثمون- واختلفوا إذا قبضت، وتصرف فيها بعتق أو هبة أو رهن أو غير ذلك من سائر التصرفات، هل ذلك فوت يوجب القيمة، وكذلك إذا نمت أو نقصت؟ فقال الشافعي: ليس ذلك كله فوتًا، ولا شبهة ملك في البيع الفاسد، وأن الواجب الرد.
وقال مالك: كل ذلك فوت يوجب القيمة، إلا ما روى عنه ابن وهب في الربا أنه ليس بفوت، ومثل ذلك قال أبو حنيفة، والبيوع الفاسدة عند مالك تنقسم إلى محرمة، وإلى مكروهة فأما المحرمة، فإنها إذا فاتت مضت بالقيمة، وأما المكروهة فإنها إذا فاتت صحت عنده، وربما صح عنده بعض البيوع الفاسدة بالقبض؛ لخفة الكراهة عنده في ذلك، فالشافعية تشبه المبيع الفاسد لمكان الربا، والغرر بالفاسد لمكان تحريم عينه، كبيع الخمر والخنزير، فليس عندهم فيه فوت، و مالك يرى أن النهي في هذه الأمور إنما هو لمكان عدم العدل فيها - أعني بيوع الربا والغرر - فإذا فاتت السلعة فالعدل فيها هو الرجوع بالقيمة؛ (لأنه قد تقبض السلعة وهي تساوي ألفًا، وترد وهي تساوي خمسمائة، أو بالعكس ولذلك يرى مالك حوالة الأسواق فوتا في المبيع الفاسد .. ». وقد سبق لي بحث هذه المسألة بشيء من التوسع في المجلد الأول من هذا الكتاب، في مبحث الفرق بين الفاسد والباطل، فانظره هناك إن شئت، لتجد استكمال العزو عن سائر المذاهب الفقهية.