فيقال: لو انفرد راوٍ بذكر الاستثناء على طريقة الاشتراط لقلت: إن هذا الطريق شاذ، ولكن كونه ورد من أكثر من طريق وبعضها في الصحيحين، أو في أحدهما، وكلها تدل على أن الاستثناء ورد على طريق الاشتراط، فالطرق الأخرى، والتي لا تدل على الشرطية لا بد أنها رويت بالمعنى، ولا بد من المصير إلى ذلك؛ لأن القصة واحدة، وجاءت بألفاظ مختلفة، ولا تحتمل التعدد، وقوله:(ولك ظهره إلى المدينة) لا ينافي الاشتراط، فقد ورد اللفظان معًا في بعض الطرق، فقد رواه مسلم، بلفظ:«فبعته بخمس أواق. قال: قلت: على أن لي ظهره إلى المدينة، قال: ولك ظهره إلى المدينة».
وقد قال الحافظ ابن حجر:«والحاصل أن الذين ذكروه بصيغة الاشتراط أكثر عددًا من الذين خالفوهم، وهذا وجه من وجوه الترجيح، فيكون أصح، ويترجح أيضًا بأن الذين رووه بصيغة الاشتراط معهم زيادة، وهم حفاظ، فتكون حجة، وليست رواية من لم يذكر الاشتراط منافية لرواية من ذكره؛ لأن قوله: ولك ظهره، وأفقرناك ظهره، وتبلغ عليه، لا يمنع وقوع الاشتراط قبل ذلك ... »(١).
وقال أيضًا: «وما جنح إليه المصنف (البخاري) من ترجيح رواية الاشتراط هو الجاري على طريقة المحققين من أهل الحديث؛ لأنهم لا يتوقفون عن تصحيح المتن إذا وقع فيه الاختلاف إلا إذا تكافأت الروايات، وهو شرط الاضطراب الذي يرد به الخبر، وهو مفقود هنا مع إمكان الترجيح. قال ابن دقيق العيد: إذا اختلفت الروايات، وكانت الحجة ببعضها دون