وفي القرون الوسطى اهتم رجال الدين النصراني (المسيحي) بالغبن اهتمامًا كبيرًا، فأوجبوا أن يكون العوض الذي يدفعه المتعاقد عادلًا، ولكيلا يؤدي ذلك إلى اضطراب المعاملات فقد وضع حد أعلى لا يجوز للبائع أن يتجاوزه، وحد أدنى لا يجوز للمشتري أن يدفع أقل منه، ولتطبيق هذه المبادئ وجد فقهاء القانون الكنسي أنفسهم مضطرين إلى تسعير الأشياء. ولما جاءت الثورة الفرنسية وقامت على حماية الفرد، وإعلان حقوق الإنسان أطلقت حرية التعاقد وسلطان الإرادة، ولم تحرم الغبن حتى في بيع العقار، بل لم تضع حدًا أعلى للفائدة، وقد تأثر القانون المدني الفرنسي بما جاءت به الثورة الفرنسية، فجاءت نصوصه غير وافية في هذه المسألة، وتأثر القانون المدني المصري القديم بهذه النظرية إلا في حالات استثنائية خاصة نص عليها القانون، ثم أخذت القوانين المادية بالتطور فأخذت بنظرية ما يسمونه بالاستغلال، كالتقنين الألماني، إذ تنص المادة (١٣٨) منه على أنه «يعتبر باطلًا بنوع خاص كل تصرف قانوني يستغل فيه الشخص حاجة الغير، أو طيشه، أو عدم خبرته؛ ليحصل لنفسه أو لغيره في نظير شيء يؤديه على منافع مادية تزيد على قيمة هذا الشيء بحيث يتبين من الظروف أن هناك اختلالًا فادحًا في التعادل بين قيمة تلك المنافع وقيمة هذا الشيء» وفي قانون الالتزامات السويسري الشيء نفسه، انظر مادة (٢١) منه، وكذلك صار المشرع العربي إلى ما ذهب إليه المشرع الغربي، فنصت المادة (١٢٩) مدني مصري وليبي، والمادة (١٣٠) مدني سوري، (٢١٣) موجبات وعقود لبناني، والمادة (١٢٦) كويتي، والمادة (١٢٥) مدني عراقي، والمادة (١١٥) مدني سوداني. وفيه فرق بين الغبن والاستغلال: أولًا: الغبن: مظهر مادي يثبت فيه التفاوت بين قيمة الشيء وبين ثمنه في السوق بصرف النظر عن حالة العاقد. =