للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الراجح]

أرى أن مذهب الجمهور أقوى من حيث الاستدلال، وهو واضح إن كان التصرف بثمن الصرف مع شخص أجنبي، ولكن إن تصرف بثمن الصرف مع من هو عليه، فهل هذه المسألة يمكن تخريجها على بيع الدين على من هو عليه، فينبغي أن يجوز إلا أنه يشترط ألا يربح فيه، لأنه إن ربح فيه فقد ربح بشيء لم يدخل ضمانه، وقد ثبت النهي عن ربح ما لم يضمن.

أو نقول: إن هذه المسألة لا تدخل في بيع الدين على من هو عليه عند من يجيزه؛ لأن الدين حتى الآن لم يثبت على من هو عليه، فإن القبض في دين الصرف يختلف عن القبض في العقود الأخرى غير الربوية، حيث إن القبض فيها شرط لبقاء العقد على الصحة، والتصرف فيه قبل قبضه يفوت هذا القبض، ولا يمكن الاستدلال بأثر ابن عمر رضي الله عنه، قال:

كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير، وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم، وآخذ الدنانير، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يريد أن يدخل بيت حفصة، فقلت: يا رسول الله إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير، وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم، وآخذ الدنانير، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا، وبينكما شيء (١).

وذلك أن الدنانير أو الدراهم كانت قيمة للإبل، وهي من العروض، وليست من الأثمان، فكان الدين من الدين الثابت المستقر في الذمة، ولم يكن قبض الثمن شرطًا في صحة البيع، أو شرطًا في بقاء العقد على الصحة، والله أعلم.

* * *


(١) مسند أبي داود الطيالسي (١٨٦٨)، ومن طريقه البيهقي (٥/ ٣١٥)،وقد اختلف في رفعه ووقفه، ورجح شعبة والدارقطني وقفه، وقد سبق تخريجه، انظر (ح ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>