للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جداره. ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم (١).

[جواب الجمهور عن هذا الحديث]

بأن المسألة محمولة على الندب، والنهي في قوله (لا يمنع جار جاره) محمول على الكراهة وليس على التحريم.

قال ابن رشد: «النهي إنما يحمل على التحريم أو الوجوب إذا لم تقترن به قرينة تدل على أن المراد به الكراهية أو الندب، ومن الدليل على أن المراد به كراهة المنع، والندب إلى الإذن: هو أنه إذن في حق الإذن؛ لأن الحائط ماله وملكه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس) وهذا عموم، فلا يخصص منه غرز الخشب في الجدار إلا بيقين في النهي عن المنع؛ لأن النهي قد يراد به الكراهة وقد يراد به التحريم، ولو كان من حق الجار أن يغرز خشبة في جدار جاره لقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ليس للجار أن يمنع جاره خشبة يغرزها في جداره، ولما قال: (لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة على جداره) إذ ليس من حق الكلام أن يقال للرجل فيما يفعله لغيره: لا تفعله إلا فيما له أن يفعله به، ألا ترى أنك تقول للرجل: لا تضرب عبدك، إذ له أن يضربه، ولا تقل له: ولا تضرب أباك، إذ ليس له أن يضربه ... » (٢).

واستدل بعض المالكية بأن الأمر على الندب بقرينة أخرى.

قال: «قول أَبِي هريرة (ما لي أراكم عنها معرضين) دليل بأن العمل كان في ذلك العصر على خلاف ما ذهب إليه أبو هريرة قال: لأنه لو كان على الوجوب


(١) البخاري (٢٢٨٣).
(٢) البيان والتحصيل (١٧/ ٦٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>