فإن اغترابهم، وبعد أوطانهم يقتضي جهلهم بالأسعار، فمنع من يعرفها من البيع لهم، ليرخص بذلك ما جلبوه (١).
ومنشأ الخلاف راجع إلى النظر في حديث النهي عن بيع الحاضر للبادي، فمن نظر إلى لفظ الحديث قصره على أهل البادية، ومن نظر إلى المعنى الذي جعل الشارع ينهى عن بيع الحاضر للبادي، حمله على أهل البادية ومن كان في معناهم، والذي يظهر لي أن النظر إلى المعنى هو المتعين؛ لأنه لا معنى باختصاص الحكم في أهل البادية فقط، فأقول: ينظر إلى حال البادين، فإن كانوا تجارًا لم يمنعوا من طلب الربح، لأنهم قد اشتروا ذلك بأموالهم، وطلب الربح هو حرفتهم، فيطلب انتفاعهم كما يطلب انتفاع غيرهم من أهل السوق، وتكره لهم الخسارة كما تكره لغيرهم من أهل السوق، بصرف النظر، هل هم من الحاضرة، أو من البادية، وإن كان ما معهم من نتاج أموالهم، ولم يكونوا تجارًا، وقد جاؤوا من خارج البلد، ويريدون الرجوع سريعًا إلى أهلهم، فلا يباع لهم طلبًا أن ينتفع أهل السوق بما معهم، هذا هو المعنى الذي يظهر من منع الحاضر من البيع للبادي، والله أعلم.