للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث السادس

ما يدخل في بيع الثمار

الفرع الأول

في دخول الثمار إذا كان ظهوره متلاحقًا

[م - ١٨١] بعض الشجر يكون ثماره متلاحقًا، لا يظهر دفعة واحدة، فإذا باع الرجل ثمر شجرة يتلاحق ثمارها، فهل يصح البيع، وإذا صح البيع فهل يصح في الثمرة الظاهرة، أو في كل الثمرة، ما ظهر منها، وما لم يظهر؟

وللجواب على ذلك يقال: إذا كانت الأشجار لها ثمار متلاحقة، فإما أن يختلط ما ظهر من الثمار بما لم يظهر، أو تتميز الثمار الظاهرة عن الثمار اللاحقة،

فإن تميزت الثمار الظاهرة حال العقد عن الثمار اللاحقة فالبيع صحيح، ويكون للمشتري الثمار الظاهرة دون الثمار اللاحقة. وهذا بالاتفاق.

وإن كانت الثمار الظاهرة تختلط بالثمار اللاحقة على وجه لا يتميز بعضها عن بعض، فقد اتفق الفقهاء على صحة البيع، واختلفوا في وجوب قطعه في الحال على أقوال:

[القول الأول]

يصح البيع وعلى المشتري قطعها في الحال، فإن شرط بقاءها فسد البيع؛ وهذا مذهب الحنفية (١).


(١) جاء في تبيين الحقائق (٤/ ١٢): «لهذه المسألة ثلاث صور: أحدها: إذا خرج الثمر كله، فإنه يجوز بيعه بالاتفاق .... ثانيها: أن لا يخرج شيء منه، فإنه لا يجوز بيعه اتفاقًا. ثالثها: أن يخرج بعضها دون البعض، فإنه لا يجوز في ظاهر المذهب. وقيل: يجوز إذا كان الخارج أكثر، ويجعل المعدوم تبعًا للموجود، استحسانًا لتعامل الناس، وللضرورة، وكان شمس الأئمة الحلواني، وأبو بكر محمد بن الفضل البخاري يفتيان به، وقال شمس الأئمة السرخسي: والأصح أنه لا يجوز؛ لأن المصير إلى مثل هذه الطريقة عند تحقق الضرورة، ولا ضرورة هنا؛ لأنه يمكنه أن يبيع الأصول على ما بينا، أو يشتري الموجود ببعض الثمن، ويؤخر العقد في الباقي إلى وقت وجوده، أو يشتري الموجود بجميع الثمن، ويبيح له الانتفاع بما يحدث منه، فيحصل مقصودهما بهذا الطريق فلا ضرورة إلى تجويز العقد في المعدوم مصادمًا للنص، وهو ما روي عنه أنه عليه السلام أنه نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان، ورخص في السلم».

وتعقبه ابن عابدين في حاشيته (٤/ ٥٥٥)، فقال: «لا يخفى تحقق الضرورة في زماننا، ولاسيما في مثل دمشق الشام، كثيرة الأشجار والثمار، فإنه لغلبة الجهل على الناس لا يمكن إلزامهم بالتخلص في أحد الطرق المذكورة، وإن أمكن ذلك بالنسبة إلى بعض أفراد الناس، لا يمكن بالنسبة إلى عامتهم، وفي نزعهم عن عاداتهم حرج كما علمت. ويلزم تحريم أكل الثمار في هذه البلدان؛ ... إذ لا تباع إلا كذلك،، والنبي إنما رخص في السلم للضرورة، مع أنه بيع المعدوم، فحيث تحققت الضرورة هنا أمكن إلحاقه بالسلم بطريق الدلالة، فلم يكن مصادمًا للنص، فلذا جعلوه من الاستحسان؛ لأن القياس عدم الجواز، وظاهر كلام الفتح الميل إلى الجواز، ولذا أورد له الرواية عن محمد، بل تقدم أن الحلواني رواه عن أصحابنا، وما ضاق الأمر إلا اتسع، ولا يخفى أن هذا مسوغ للعدول عن ظاهر الرواية كما يعلم من رسالتنا المسماة: نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف». وانظر: الاختيار لتعليل المختار (٢/ ٧)، فتح القدير (٦/ ٢٨٧ - ٢٨٨)، المبسوط للسرخسي (١٢/ ١٩٦)، بدائع الصنائع (٥/ ١٧٢)، البحر الرائق (٥/ ٣٢٥)، حاشية ابن عابدين (٤/ ٥٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>