بأن الله تعالى أوجب الوصية للوالدين والأقربين قبل نزول آية المواريث، ثم نزلت آية المواريث للوالدين والأقربين، بقوله تعالى:{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُون}.
فالوالدان والأقربون في آية المواريث، هم الوالدان والأقربون في آية الوصية، وإذا كان إطلاق الأقارب في آية الميراث لا يعني وجوب تعميهم، فكذلك الحال في آية الوصية، فالوالدان والأقربون الذين أوجب الله لهم الحق في الوصية قبل نزول آية الميراث، هم الأقربون الذين أوجب الله لهم بدلًا منه الحق في الميراث، خاصة أن آية الوصية لم تبين مقدار الموصى به، ولا مقدار نصيب كل قريب فيها، بل ترك التقدير للموصي بالمعروف، كما قال تعالى:{الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:١٨٠]، وكما في حديث:(إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة)، ولم يقل أحد من أهل العلم فيما أعلم وجوب تعميم الأقارب في الوصية، ذكرانهم وإناثهم، قريبهم وبعيدهم، صغيرهم وكبيرهم؛ لأن مثل هذا لو قيل به لفرض مقدارًا من الوصية لم تبينه النصوص، بل ترك للموصي وما تطيب به نفسه، وإذا كان لا يجب تعميم الأقارب لم يصح القول بأن الوصية كانت واجبة لجميع الأقارب، خرج الوارث منهم، وبقي من عداه، فإذا أوصى لبعض الأقارب ممن لا يرث كفى في الامتثال عند القائلين بوجوب الوصية للأقارب، وإذا كان كذلك فقد انتقل حق الوالدين والأقربين من الوصية المجملة الواجبة إلى الميراث الواجب، وهو حق معلوم المقدار، ومتفاوت بحسب قوة القرابة وجنس القريب، بخلاف الحق في الوصية على القول به فإنه لم يعين المقدار، ولم يتفاوت بحسب الجنس