للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التنبيه الثاني:

إن كان المؤجر يعلم أن المستأجر يريد البيت لفعل المعاصي إما لمعرفته بحاله، أو لوجود القرائن، ففي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، وهي ترجع إلى مسألة سبق بحثها في كتاب البيع، وهو ما إذا كان العقد في نفسه مشروعًا، وكان الباعث على العقد غير مشروع كبيع العصير لمن يتخذه خمرًا، فاستئجار البيت مشروع، ولكن استئجاره ليباع فيه الخمر، أو يتخذ محلًا للدعارة غير مشروع، فهل تحرم الإجارة نظرًا لأن الباعث على هذا الفعل غير مشروع، أو لا تحرم باعتبار أن الإجارة أصلها مباح، والباعث نية في قلب العاقد، لا أثر لها في صحة العقد أو بطلانه.

[م-٨٤٨] في هذه المسألة ثلاثة أقوال:

[القول الأول]

لا يصح العقد مطلقًا، وهذا مذهب المالكية (١)، والحنابلة (٢).

[القول الثاني]

يصح مطلقًا إذا لم ينص في العقد على الفعل المحرم، وأما العقد فهل يحرم أو يكره قولان في مذهب الشافعية (٣).


(١) المدونة (٤/ ٤٢٣ - ٤٢٦)، مواهب الجليل (٤/ ٢٥٤)، منح الجليل (٧/ ٤٩٨).
(٢) مسائل أحمد رواية صالح (٢/ ١٤١)، المبدع (٤/ ٤٢)، الإنصاف (٤/ ٣٢٧)، الفروع (٤/ ٤٢)،كشاف القناع (٣/ ١٨١)، مجموع الفتاوى (٢٩/ ٢٣٦).
(٣) قال الشافعي في الأم (٣/ ٧٤): «أكره للرجل أن يبيع العنب ممن يراه أنه يعصره خمرًا، ولا أفسد البيع إذا باعه ... ».
وقال النووي في المجموع (٩/ ٤٣٢): «قال أصحابنا: يكره بيع العصير لمن عرف باتخاذ الخمر والتمر لمن عرف باتخاذ النبيذ والسلاح لمن عرف بالعصيان بالسلاح فإن تحقق اتخاذه لذلك خمرًا ونبيذًا، وأنه يعصي بهذا السلاح ففي تحريمه وجهان حكاهما ابن الصباغ والمتولي والبغوي في شرح المختصر والروياني وغيرهم.
أحدهما: نقله الروياني والمتولي عن أكثر الأصحاب: يكره كراهة شديدة ولا يحرم.
وأصحهما: يحرم، وبه قطع الشيخ أبو حامد، والغزالي في الإحياء، وغيرهما من الأصحاب، فلو باعه صح على الوجهين وإن كان مرتكبًا للكراهة أو التحريم قال الغزالي في الإحياء: وبيع الغلمان المرد الحسان لمن عرف بالفجور بالغلمان، كبيع العنب للخمار قال: وكذا كل تصرف يفضي إلى معصية».

<<  <  ج: ص:  >  >>