فمن أتلف مال غيره مثلًا، فلا يجوز أن يقابل بإتلاف ماله؛ لأن في ذلك توسيعًا للضرر بلا منفعة، وأفضل منه تضمين المتلف قيمة ما أتلف؛ فإن فيه نفعًا بتعويض المضرور، وتحويل الضرر نفسه إلى حساب المعتدي، وذلك بخلاف الجناية على النفس والبدن مما شرع فيه القصاص، فمن قتل يقتل، ومن قطع يقطع؛ لأن هذه الجنايات لا يقمعها إلا عقوبة من جنسها، كي يعلم الجاني أنه في النهاية كمن يعتدي على نفسه، ومهما تكن العقوبة الأخرى فإنها لا تعيد للمجني عليه ما فقد من نفس أو عضو (١).
ومن أجل دفع الضرر شرع الشارع أمورًا ومنع من أخرى من باب الوقاية من الوقوع في الضرر، ورفعه أو تخفيفه إذا وقع، وقطع كل ما يؤدي إلى العداوة والبغضاء.
ففي ميدان المصالح العامة: شرع الجهاد، لدفع ضرر الأعداء.
وشرع العقوبات؛ لقمع الإجرام.
وشرع سد ذرائع الفساد؛ لدفع الشر بجميع أنواعه.
وفي ميدان الحقوق الخاصة: شرع الرد بالعيب؛ لإزالة الضرر الواقع على المشتري.
وشرع جميع أنواع الخيارات؛ لإزالة الأضرار الواقعة على أحد المتعاقدين، كخيار المجلس، والعيب، والغبن، والتدليس.
(١) انظر درر الحكام شرح مجلة الأحكام (١/ ٣٦)، المدخل الفقهي العام (٢/ ٩٧٨).