القول بأن التقاعد التزم به ولي الأمر في مقابل ما قام به الموظف من خدمة الأمة، هذا قول غير صحيح، فإنه التزم به في مقابل الأقساط التي تؤخذ من راتب الموظف والعامل، وليس مكافأة على خدمته في مجال عمله، ولو كان مكافأة له على خدمته لم يُقْتَطع جزء من راتبه لمصلحة التقاعد، أو لمؤسسة التأمينات الاجتماعية، ولو كان مكافأة لم يعاقب العامل لدى القطاع الخاص إذا لم يدفع قسط التأمين بغرامة مالية.
ولو كان مكافأة لم يطالب من أخذ إجازة بدون راتب، أن يسدد من قِبَله فترة إجازته جميع الأقساط التي كان من المفترض أن تخصم من راتبه لمصلحة التقاعد.
والقول بأن نظام التقاعد ليس من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها، وعلى هذا لا شبه بينه وبين التأمين الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية من غريب القول، فما هي المعاوضات المالية في تعريف المشايخ الفضلاء، أليس كل واحد من طرفي العقد يأخذ مقابلًا لما أعطى؟ أليس الموظف يبذل عوضًا ماليًا، وتلتزم الدولة بالمقابل بدفع عوض مالي آخر، على شكل راتب يأخذه مدى حياته، وبعد وفاته بشروط معينة، أليس هذا هو حقيقة المعاوضة، الفرق أن المعاوضة في التأمين بين فرد وشركة، وأما في التقاعد فهو بين موظف أو عامل وبين الدولة ممثلة بمؤسسة التأمينات الاجتماعية، أو مصلحة التقاعد، وهذا لا يشكل فارقًا جوهريًا.
ولو سلم أن الربح غير مقصود، فالمعاوضة المالية ليست متوقفة على الربح، حتى يقال: إذا لم يقصد الربح انتفت المعاوضة، فالبيع بالتولية معاوضة على الصحيح عند جمهور العلماء، والربح منتف، وبيع الوضيعة معاوضة، والخسارة معلومة.