للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثالث]

أن النهي عن أكل الربا أضعافًا مضاعفة لا يعني أنه يجوز أكل الربا إذا لم يكن أضعافًا مضاعفة، ولكن هذا أسلوب قرآني للتنفير عن أكل الربا، كما قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة:٤١] وإن كان الكفر به داخلًا في النهي حتى ولو لم يكن أول الكافرين، وكذلك قوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة:٦٠] فالفساد منهي عنه وإن لم يكن المفسد متماديًا أشد الفساد، فكان من أسلوب القرآن إذا نهى عن صورة ذكر أقبح الصور، وإن كان القبيح داخلًا في الأقبح، وإذا أمر بأمر أمر بأحسن صوره، وإن كان الحسن داخلًا في الأحسن.

يقول أبو حيان في تفسير البحر المحيط عن النهي عن أكل الربا أضعافًا مضاعفة: «هذه الحال لا مفهوم لها، وليست قيدًا في النهي، إذ ما لا يقع أضعافًا مضاعفة مساو في التحريم لما كان أضعافًا مضاعفة» (١).

[الوجه الرابع]

أننا لو أخذنا بظاهر الآية الكريمة {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَاا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [آل عمران:١٣٠] فإن معنى ذلك: أن الزيادة إذا لم تكن أضعافًا مضاعفة لم تكن داخلة في النهي، وهذا يعني تحليل حتى الصورة المتفق عليها أنها من الربا، أرأيت لو أن لرجل على رجل دينًا مقداره ألف ريال مؤجلًا إلى سنة، فلما بلغ الأجل قال له: اجعلها خمسة وألفًا وأزيدك في الأجل لم يكن هذا الرجل قد أكل الربا أضعافًا مضاعفة؛ لأن الزيادة التي أخذها، وهي أصل الربا لم تضاعف فضلًا عن أن تكون أضعافًا مضاعفة، ومع ذلك هذه


(١) البحر المحيط (٣/ ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>