الأول: الآبق المطلق، وهو ما كان مجهول المكان بالنسبة للعاقدين، وهذا لا يصح بيعه، على خلاف في المذهب، هل بيعه باطل، أو فاسد بناء على أصول مذهبهم في التفريق بين البيع الباطل والفاسد. ففي ظاهر الرواية، وهو ما عليه مشايخ بلخ، أن بيع الآبق المطلق باطل، فلو عاد من الإباق، فلا بد من عقد جديد.
ووجهه: أن قدرة العاقد على التسليم شرط انعقاد العقد؛ لأنه لا ينعقد إلا لفائدة، ولا يفيد إذا لم يكن قادرًا على التسليم، والعجز عن التسليم ثابت حالة العقد ... والأصل المعهود، أن ما لم يكن ثابتًا بيقين، أنه لا يثبت بالشك والاحتمال، بخلاف ما إذا أبق بعد البيع قبل القبض أنه لا ينفسخ؛ لأن القدرة على التسليم كانت ثابتة وقت العقد، ثم زالت على وجه يحتمل عودها، فيقع الشك في زوال المنعقد بيقين، والثابت بيقين لا يزول بالشك .... وفي رواية أخرى عن أبي حنيفة، أن العقد فاسد، فلو عاد انقلب العقد صحيحًا إذا لم يفسخ؛ لأن العقد انعقد لقيام المالية، والمانع قد ارتفع: وهو العجز عن التسليم، كما إذا أبق بعد البيع؛ ولأن الإباق لا يوجب زوال الملك، ألا ترى أنه لو أعتقه، أو دبره ينفذ، وبهذا أخذ الكرخي انظر بدائع الصنائع (٥/ ١٤٧)، الهداية شرح البداية (٣/ ٤٥)، انظر البحر الرائق (٥/ ٢٨٠)، المبسوط (١٣/ ١٠). الحالة الثانية: أن يكون الآبق في يد المشتري، فالبيع صحيح نافذ؛ لأن القدرة على التسليم ثابتة في هذه الحالة. الحالة الثالثة: أن يكون المشتري يعلم مكان الآبق، وليس في يده، وإنما هو في يد غيره، فينعقد البيع موقوفًا على القبض. انظر المراجع السابقة، وانظر حاشية ابن عابدين (٤/ ٥١٤)، فتح القدير (٦/ ٤٢١ - ٤٢٢)، الفتاوى الهندية (٣/ ١١٢)، مجمع الأنهر (٣/ ٨٤). وذهب المالكية إلى أن بيع العبد الآبق غير صحيح، إلا إذا علم المشتري صفته وموضعه، وكان عند من يسهل خلاصه منه. قال مالك في المدونة الكبرى (٩/ ١٥٥): «إذا عرف المبتاع موضعه فهو بمنزلة العبد الغائب يباع». وانظر حاشية الدسوقي (٣/ ١١)، حاشية العدوي (٢/ ٢٢٠)، التمهيد لابن عبد البر (٢١/ ١٣٦)، شرح ميارة (١/ ٤٥٠)، الثمر الداني شرح رسالة القيرواني (ص:٥١١). وأما مذهب الشافعية، فقد قال النووي في المجموع (٩/ ٣٤٤): «لا يجوز بيع العبد الآبق والجمل الشارد والفرس العائر والمال الضال ونحوها لما ذكره المصنف وسواء عرف موضع الآبق والضال ونحوه أم لا؛ لأنه غير مقدور على تسليمه في الحال وهكذا قاله الأصحاب وكذا قال الرافعي: إنه المذهب المعروف. قال الأصحاب: لا يشترط في الحكم بالبطلان اليأس من التسليم بل يكفي ظهور التعذر قال: وأحسن بعض الأصحاب فقال: إذا عرف موضعه، وعلم أنه يصله إذا رام وصوله فليس له حكم الآبق. قلت: (القائل النووي) والمذهب ما سبق».