ومن رأى أن الشفعة تكون فيما ينقسم وفيما لا ينقسم، قال: إن العلة فيما لا ينقسم ضرر الشركة؛ إذ لا يقدر أحد من الشركاء أن يتصرف في المال المشترك بشيء من وجوه التصرف دون إذن شريكه» (١).
وجه ذلك: أن القسمة قد تكون سببًا في نقص القيمة، وقد تضطره إلى استحداث مرافق جديدة، وإلى دفع أجرة القاسم، وإلى الضيق في مرافق المنزل، فإنه قبل القسمة ربما ارتفق بالدار والأرض كلها، وبأي موضع شاء منها، فإذا وقعت الحدود ضاقت به الدار، وقصر على موضع منها، وفي ذلك من الضرر عليه ما لا خفاء به. فمكنه الشارع بحكمته ورحمته من رفع هذه المضرة عن نفسه، بأن يكون أحق بالمبيع من الأجنبي الذي يريد الدخول عليه.
[الراجح]
هذه العلل الثلاث ليست متضادة، بل كل واحدة منها تصلح علة، ولا مانع من التعليل للحكم بأكثر من علة، فإذا انتفت كلها انتفى الحكم، وإذا وجد أحدها وجد الحكم، فالشفعة لدفع الضرر، وهذا الضرر يتنوع، قد يكون الضرر لدفع أذى الدخيل الطارئ، فيحق للجار أن يشفع لدفع أذاه إذا كان مشتركًا في مرافق المبيع، وقد يكون بسبب الشركة، وقد يكون بسبب القسمة، والضرر فيها جنس، وهي بمنزلة الأنواع، فلا مانع عندي من التعليل بها كلها مجتمعة، أو منفردة، والله أعلم.