(٢) وأما المعاصرون فقد عرفوا الحق بعدة تعريفات، أختار منها: الأول: تعريف الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله تعالى: يقول الشيخ: «الحق هو اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفًا ...... وإليك تحليل هذا التعريف وإيضاحه: فأخرج بقوله (الاختصاص) ما لا اختصاص فيها، كحق الاصطياد، والاحتطاب من البراري، والتنقل في أرجاء الوطن، فلا تعتبر حقًا بالمعنى المراد هنا، وإنما هي رخصة، ولكن إذا منح إنسان امتيازًا باستثمار شيء من هذه المباحات فانحصر به يصبح ذلك حقًا له». وقولنا: (يقرر به الشرع سلطة أو تكليفًا) لا بد من إقرار الشارع لهذا الاختصاص، فما اعتبره الشارع حقًا كان حقًا، وما لا فلا. وقولنا: (سلطة أو تكليفًا) لأن الحق تارة يتضمن سلطة، وتارة تكليفًا. والسلطة نوعان: سلطة على شخص، وسلطة على شيء معين. فالسلطة على شخص: كحق الولاية على النفس، إذ يخول الولي أن يمارس سلطة على القاصر تأديبًا وتطببًا وتعليمًا ... وكذلك حق حضانة الصغير وتربيته. والسلطة على شيء معين: كحق الملكية، فإنها سلطة للإنسان على ذات الشيء ... وكحق التمليك بالشفعة، وحق الانتفاع بالأعيان، وحق الولاية على المال. وأما التكليف فهو دائمًا عهدة على إنسان، وهو إما عهدة شخصية كقيام الأجير بعمله، وإما عهدة مالية كوفاء الدين. فالعطف بحرف (أو) في قولنا «سلطة أو تكليفًا» يفسح مجالًا لتوزيع موضوعَي الحق، وهما (السلطة والتكليف) على موضعهما، وهما: الشخص والشيء، بحسب ما يناسب كلًا منهما .....
إن هذا التعريف كما يشمل بعمومه جميع أنواع الحقوق المدنية، يشمل أيضًا الحق الديني لله تعالى كفروضه على عباده من صلاة وصيام ونحوهما، ويشمل أيضًا الحقوق الأدبية كحق الطاعة في المعروف للوالد على ولده، وللرجل على زوجته، وكذا يتناول حقوق الولاية العامة في إقرار النظام، وقمع الإجرام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد ونشر الدين والدعوة؛ لأن كل ذلك وأشباهه إما سلطة يختص بها من أثبتها له الشرع، وإما تكليف بأمر مكلف به شرعًا. انظر المدخل إلى نظرية الالتزام العامة (ص: ١٩ - ٢٢١). وعرف الشيخ علي الخفيف الحق بأنه «مصلحة مستحقة شرعًا». وعرفه الشيخ الدكتور أحمد فهمي أبو سنة بأنه: «ما ثبت في الشرع للإنسان، أو لله تعالى على الغير». انظر النظريات العامة للمعاملات في الشريعة الإسلامية (ص: ٥٠).