فمن اشترى كتاباً مثلًا فهو قد ملك الانتفاع بهذا الكتاب فقط (الوعاء المادي أصالة، وما قد تضمنه تبعاً) ولم يملك منفعته (مادة الكتاب)، ولهذا لو تلف الكتاب الذي اشتراه ليس له الحق في نسخة أخرى؛ لأن حقه تعلق في هذا الغلاف بعينه، وبه يتبين أن عقد الشراء لم يقع في الأصل على جوهر الحق الذي هو ملك للمؤلف، وإنما وقع العقد على نسخة من الكتاب ينتفع بها قراءة، وهبة، ولم ينتزع حق تلك الأفكار من مبدعها الذي لا تزال تنسب إليه شرعاً، ولم يجعل المشتري من نفسه بدلاً من المؤلف أو المبتكر، فليس للمشتري الحق في غير النسخة التي اشتراها، وليس له أن ينسخ عليها نسخاً أخرى، وهذا واضح بين.
وإذا طبقنا هذا على العارية، فأرى أن المعير قد بذل ماله للمستعير بلا مقابل، فكانت عينه مقصودة في بذل هذا المال، وإذا دار الأمر، هل العارية ملك للمنفعة، أو ملك للانتفاع فقط، فإننا نحمل الأمر على أدناهما احتياطًا للملكية، كما أن الأمر إذا احتمل العارية والهبة حملناه على العارية؛ لأنها أدنى الأمرين، وهي المتيقن. والله أعلم (١).
* * *
(١) انظر الفروق للقرافي (١/ ١٨٧)، نهاية المحتاج (٥/ ١١٨).