لقد قررت الشريعة الإِسلامية في الإنسان غريزته نحو المال: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)} [العاديات: ٨]، وأسندت إليه تملكه بالحيازة، ودعت إلى المحافظة عليه، وصانت حق ملكيته باعتباره ضرورة من ضرورياته كنفسه وعرضه، وحرمت الاعتداء عليه، ولكنها في ذات الأمر ضبطت فيه غريزته، فهذبت هذه النفس المسلمة بفرائض ونوافل وأحكام وحدود تربط هذا المال بأصول العقيدة والأخلاق، ودوره في الحياة لتحرر الإنسان من عبودية المال، وتسمو بغريزة حبه فتضعه وسيلة في يده تدور بينه وبين الآخرين {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} في تداول مشروع متوازن يحقق أهداف الجميع {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (٧)} [الطلاق: ٧].
ولهذا كان لنظام الإِسلام المالي وفقهه الاقتصادي أكبر الأثر في إعمار الحياة لإصلاح النفوس البشرية التي التزمت به دينًا، فأعطت ما عليها وأخذت ما لها بوجه الحق، ثم عاملت بالفضل وتطوعت بالبذل، وسارعت بالإنفاق في وجوه الخير، ولبت حاجة الإنسان بسد خلة المعوز أيًّا كان، فلم تعق الحاجة مقصده وهدفه المشروع في الحياة.
إن فقه المعاملات المالية في الإِسلام يعتبر المال -كسائر ما في الحياة- مملوكًا لله الخالق وحده تعالى ملكية حقيقية، ثم هو بيد الإنسان مستخلف فيه، يلتزم أمره ونهيه أنى يتوجه، بلا إهمال أو تجاوز؛ لإيمانه بخالقه ومالكه ورازقه القائل: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧)} [الحديد: ٧].
ومن جهة أخرى فإن أحكام الفقه الإِسلامي جميعها تتغيا تحقيق المصالح.