«ولم يعرف المسلمون التأمين إلا في القرن الثالث عشر الهجري، ولذلك لا نجد له بحثًا ولا ذكرًا في عبارات المتقدمين، وأول الفقهاء تعرضًا لمسألة التأمين هو محمد أمين الشهير بابن عابدين (ت ١٢٥٢ هـ ١٨٣٦ م) في حاشيته المسماة (رد المحتار على الدر المختار) في فصل استئمان الكافر، من باب المستأمن من كتاب الجهاد، وسماه (السوكرة) وذلك عندما تعرض لضرب جديد من التعامل ظهر في القرن الثالث عشر الهجري، أي في الوقت الذي قوي فيه الاتصال التجاري بين الشرق والغرب في صورة صفقات يتوسط في إبرامها الوكلاء التجاريون الأجانب الذين دخلوا دار الإسلام مستأمنين، يقول رحمه الله:
«مطلب مهم فيما يفعله التجار من دفع ما يسمى سوكرة، وتضمين الحربي ما هلك في المركب، وبما قررناه يظهر جواب ما كثر السؤال عنه في زماننا: وهو أنه جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبًا من حربي يدفعون له أجرته ويدفعون أيضا مالًا معلومًا لرجل حربي مقيم في بلاده يسمى ذلك المال: سوكرة، على أنه: مهما هلك من المال الذي في المركب بحرق، أو غرق، أو نهب، أو غيره فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذه منهم وله وكيل عنه مستأمن في دارنا، يقيم في بلاد السواحل الإسلامية بإذن السلطان، يقبض من التجار مال السوكرة، وإذا هلك من مالهم في البحر شيء يؤدي ذلك المستأمن للتجار بدله تمامًا والذي يظهر لي: أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله؛ لأن هذا التزام ما لا يلزم. فإن قلت: إن المودع إذا أخذ أجرة على الوديعة يضمنها إذا هلكت. قلت: ليست مسألتنا من هذا القبيل؛ لأن المال ليس في يد صاحب السوكرة، بل في يد صاحب المركب وإن كان صاحب السوكرة هو صاحب المركب، يكون أجيرًا مشتركًا قد أخذ أجرة على الحفظ