بأن التأمين يقوم على التعاون بين المستأمنين، ذلك التعاون الذي يؤدي إلى توزيع المخاطر بين أكبر عدد ممكن من الأفراد، بدلًا من أن يتحمل كل فرد عبء ما يصيبه من كارثة واحدة، ويؤدي أيضًا إلى كفالة الأمان للمستأمن، والمؤمن معًا، فالمستأمن واثق من الحصول على ما التزم به المؤمن بأدائه، والمؤمن مطمئن أيضًا إلى أنه سيفي بما التزم به؛ لأن التعويض سيدفع من الرصيد المشترك الذي تعاون المستأمنون على جمعه، لا من مال المؤمن الخاص.
وهذا الأمان هو الغاية التي يسعى إليها كل مستأمن، فالشخص الذي ... يؤمن على ماله ضد الحريق مثلًا إنما يفعل ذلك بغرض التحصن من خطر محتمل، لا يقوى على تحمله وحده، وهذه المعاني غير موجودة في المقامرة، فإن المقامر لا يتحصن من خطر، وإنما يوقع نفسه في الخطر، وهو عرضة لأن يفقد ماله جريًا وراء ربح موهوم، موكول لمجرد الحظ، وعلى هذا فلست أرى ما يبرر قياس التأمين على القمار، فالتأمين جد، والقمار لعب، والتأمين يعتمد على أسس علمية، والقمار يعتمد على الحظ، وفي التأمين ابتعاد عن المخاطر، وكفالة للأمان، واحتياط للمستقبل بالنسبة للمستأمن، كما فيه ربح محقق عادة بالنسبة للمؤمن، وفي القمار خلق للمخاطر، وابتعاد عن الأمان، وتعرض لمتاعب المستقبل، فكيف يستويان» (١).
وهذا الكلام شبيه بكلام أبي عبيدة في كتابه الأموال عندما ذهب أهل العراق إلى إنكار الخرص والقرعة، وأنهما نوع من القمار، قال رحمه الله:
«وأما قوله: إن الخرص كالقمار فكيف يتساوى هذان القولان، وإنما قصد بالخرص قصد البر