للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا فلو طلب الأجر مقابل الوديعة جاز ذلك، وانقلب العقد إلى عقد معاوضة (١).


(١) لا خلاف بين الفقهاء في أن الأصل في الوديعة أنها من عقود التبرعات التي تقوم على أساس الرفق والإحسان، فلا تستوجب من المودع بدلًا عن حفظ الوديعة، خلافًا لعقود المعاوضات المالية التي تقوم على أساس إنشاء حقوق والتزامات متقابلة بين العاقدين، إلا أن الفقهاء اختلفوا في مشروعية اشتراط عوض فيها للوديع مقابل حفظه على ثلاثة أقوال:

فذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يجوز للوديع أن يشترط أجرًا على حفظ الوديعة، واعتبروا شرطه صحيحًا ملزمًا.
جاء في مجلة الأحكام العدلية، مادة (٧٧٧): «الوديعة أمانة في يد الوديع، يناء عليه، إذا هلكت بلا تعد من المستودع، وبدون صنعه، وتقصيره في الحفظ، فلا يلزم الضمان، إلا أنه إذا كان الإيداع بأجرة على حفظ الوديعة، فهلكت، أو ضاعت بسبب يمكن التحرز منه، لزم المستودع ضمانها».
وجاء في مادة (٨١٤) من مرشد الحيران: «ليس للمستودع أن يأخذ أجرة على حفظ الوديعة، ما لم يشترط ذلك في العقد».
وذهب الشافعية إلى جواز أخذ الأجرة على الحفظ كما يجوز له أخذ الأجرة على الحرز، حتى ولو كان قبول الوديعة واجبًا على الوديع لتعينه، قالوا: لأن الأصح جواز أخذ الأجرة على الواجب العيني، كإنقاذ الغريق، وتعليم الفاتحة ونحو ذلك.
وقال المالكية: يجوز أخذ الأجرة على الحرز دون أخذ الأجرة على الحفظ؛ لأن المستودع يستحق أجرة موضع الحفظ، إذ لا يلزمه بذل منفعة حرزه بدون عوض، وأما حفظ الوديعة فلا أجرة له عليه، إن لم يأخذها مثله، أو يشترطها في العقد، أو يجر بها عرف، وذلك لاطراد العادة بطرحها، وأن الوديع لا يطلب أجرة على ذلك، بخلاف ما إذا اتفقا على أجرة الحفظ، فإنه يجوز ذلك؛ لأن المذهب جواز الأجرة على الحراسة، أو جرت بذلك العادة، أو كان طالبها ممن يكري نفسه للحراسة، ويأخذ أجرًا على حفظ الودائع؛ لأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.
وذهب الحنابلة إلى عدم جواز أخذ الأجرة على الوديعة، وقالوا: إن أخذ الأجرة، إنما هو في عقد الإجارة، دون عقد الوديعة.
انظر في مذهب الحنفية: مجلة الأحكام العدلية مادة (٧٧٧)، مرشد الحيران، مادة (٨١٤)، وقال في الفتاوى الهندية (٤/ ٣٤٢): «المودع إذا شرط الأجرة للمودع صح، ولزم عليه». وانظر رد المحتار لابن عابدين (٤/ ٤٩٤).
وفي مذهب المالكية: قال ابن رشد كما في التاج والإكليل (٧/ ٢٩٤): «لا أجر للمودع على حفظ الوديعة، وإن كانت مما يشغل منزله، فطلب أجر الموضع الذي كانت فيه، فذلك له» وانظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (٣/ ٤٣١ - ٤٣٢)، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير (٣/ ٥٦٦)، منح الجليل (٧/ ٤٥)، الزرقاني على مختصر خليل، وحاشية البناني عليه (٦/ ١٢٥)، المقدمات الممهدات (٢/ ٤٦٧)، القوانين الفقهية لابن جزي (ص: ٣٨٠).
وفي مذهب الشافعية: حاشية الرملي على أسنى المطالب (٣/ ٧٦)، حاشية الجمل (٧/ ٧٧)، تحفة المحتاج (٧/ ١٠٠).
وفي مذهب الحنابلة: كشاف القناع (٤/ ١٨٥)، شرح منتهى الإرادات (٢/ ٤٤٩).
وانظر للأهمية عقد الوديعة في الشريعة الإسلامية - للدكتور نزيه حماد (ص: ٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>