ومن ذلك إباحة الغرر التابع، فإن الغرر التابع قد يكون كثيرًا، ومؤثرًا في قيمة الصفقة، ومع ذلك إرفاقًا بالناس أجازت الشريعة هذه المعاملة، وبقيت المفسدة مغمورة في جانب الضرر الواقع على الناس فيما لو منعوا من تبادل مثل ذلك.
ومن ذلك النهي عن بيع الحاضر للباد، فإنه يتنازعه مبيح ومانع أيضًا:
فالنصيحة للمسلم البادي، والذي قدم من مكان بعيد، متحملًا عناء الأسفار، والابتعاد عن الأهل، مع جهله بالأسعار، وتشوفه للتعويض مقابل ما أنفقه على بهائمه لاسيما مع قلة الأمطار، وغلاء الأعلاف، وصعوبة التنقل بالمواشي طلبًا للكلأ، وبحثًا عن الماء، كل ذلك يحمل المسلم أن يبيع له بسعر السوق لينفعه، وليعود ذلك بالنفع عليه وعلى أهله، وعلى مواشيه.
ينازع ذلك مصلحة السوق، وأن يرزق الله العباد بعضهم من بعض، وهذه مصلحة عامة في مقابل مصلحة خاصة، والعام مقدم على الخاص، ولهذا قدمت هذه المصلحة على تلك، وهكذا كثير من المعاملات قد يتنازعها موجبان، مبيح وحاضر، وتلحق بأقواهما، والله أعلم.
ثالثًا: أن التأمين التجاري وإن قلت بجوازه لكونه من عقود الغرر فإن الغرر في عقد التأمين أرى أنه من الغرر الكثير وليس من الغرر اليسير، ولكن أباحته عندي حاجة الناس إلى هذه المعاملة بخلاف التأمين على الحياة و التأمين الاجتماعي فإن الحاجة لا تبيحه مطلقًا؛ لأنه من عقود الربا، لكونه دراهم بدراهم مؤجلة مع التفاضل.
رابعًا: أن على طالب العلم إذا لم يغلب على ظنه القول بالتحريم فعليه أن يفتي بجواز التأمين حتى يتبين له القول بالتحريم؛ لأن الأصل في المعاملات الإباحة حتى نتيقن المانع، أو يغلب على الظن قيامه، والاحتياط للنفس غير