للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت الشريعة قد سمحت بغبن البادي من أجل نفع السوق، فنهى أن يبيع الحاضر للباد، وعلل ذلك - صلى الله عليه وسلم - بقوله: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. فكيف يعتقد بأن الشريعة تسمح بالإضرار بالسوق.

وقد حرمت الشريعة الإضرار بالآخر، فمنعت بيع المسلم على بيع أخيه، والشراء على شرائه كل ذلك منعًا للضرر الواقع بين المسلمين، فإذا كان ذلك بين آحاد المسلمين، وضرره محدود، فكيف إذا كان الضرر يقع على عامة التجار، وصغار المستثمرين، فإذا رأى الباعة أن بعض التجار يبيع بسعر لا يمكن لهم أن يبيعوا به، ولو باعوا به لخسروا، فلا شك أن مثل ذلك سيكون سببًا للعداوة والبغضاء.

وإذا كانت الشريعة قامت بحماية المشتري، من تحريم النجش، وتحريم الاحتكار، وتحريم الغبن، فإن أهل السوق هم مشترون قبل أن يكونوا باعة، فإن السلع التي في محلاتهم ليست نتاجًا، وإنما اشتروها طلبًا للربح، فتعريضهم للخسارة ضرر كبير بهم يعود في نهايته على المستهلك، فإن هؤلاء الكبار إذا ألحقوا الضرر بصغار المستثمرين، وأخرجوهم من السوق، تحكم هؤلاء فيما بعد بالمستهلك، وصاروا هم وحدهم اللاعب بالسوق، فالشريعة قامت على العدل، فهي في الوقت التي تحمي المشتري من أن يتعرض للاستغلال، تحمي البائع كذلك من أن يتعرض للخسارة بفعل غيره، وكما هو مطلوب حماية المشتري من الغبن، مطلوب أيضًا حماية بقية أهل السوق من الخسائر، والله أعلم.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>