للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غرضه تحصيل الأجرة، وأما إذا كان بغير أجرة فإنه لا بأس به؛ لأن ذلك من باب النصيحة له، وقد ورد الأمر بنصحه (١).

هذه تقريبًا ما وقفت عليه من الشروط، وأنت ترى أن بعضها قد انفرد بذكرها بعض المذاهب، والبعض الآخر قد اشترطها أكثر من مذهب، ومنشأ الخلاف والله أعلم ما قاله ابن دقيق العيد، قال رحمه الله:

«اعلم أن أكثر هذه الأحكام: قد تدور بين اعتبار المعنى، واتباع اللفظ، ولكن ينبغي أن ينظر في المعنى إلى الظهور والخفاء، فحيث يظهر ظهورًا كثيرًا، فلا بأس باتباعه وتخصيص النص به أو تعميمه على قواعد القياسيين، وحيث يخفى ولا يظهر ظهورًا قويًا، فاتباع اللفظ أولى. فأما ما ذكر من اشتراط أن يلتمس البلدي ذلك، فلا يقوى لعدم دلالة اللفظ عليه وعدم ظهور المعنى فيه. فإن الضرر المذكور الذي علل به النهي، لا يفترق الحال فيه بين سؤال البدوي، وعدمه، وأما اشتراط أن يكون الطعام مما تدعو الحاجة إليه فمتوسط في الظهور وعدمه؛ لاحتمال أن يراعى مجرد ربح الناس في هذا الحكم على ما أشعر به التعليل من قوله - صلى الله عليه وسلم - (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) وأما اشتراط أن يظهر لذلك المتاع المجلوب سعر في البلد فكذلك أيضا أي أنه متوسط في الظهور لما ذكرناه من احتمال أن يكون المقصود مجرد تفويت الربح، والرزق على أهل البلد. وهذه الشروط منها ما يقوم الدليل الشرعي عليه كشرطنا العلم بالنهي، ولا إشكال فيه، ومنها ما يؤخذ باستنباط المعنى فيخرج على قاعدة أصولية. وهي أن النص إذا استنبط منه معنى يعود عليه بالتخصيص. هل يصح أو لا؟ ويظهر لك هذا باعتبار بعض ما ذكرناه من الشروط.» (٢).

* * *


(١) فتح الباري (٤/ ٣٧٢)، عمدة القاري (١١/ ٢٨٠)، عون المعبود (٩/ ٢٢٠).
(٢) إحكام الأحكام (٢/ ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>