للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعينه، وما نهي عن البيع بعينه لا يمكن أن نقول: إنه صحيح، سواء في العبادات، أو في المعاملات؛ لأن تصحيحنا لما جاء فيه النهي بعينه إمضاء لهذا الشيء الذي نهى الشارع عنه؛ لأن الذي نهى الشارع عنه يريد منا أن نتركه، ونتجنبه، فإذا حكمنا بصحته فهذا من باب المضادة لأمر الله سبحانه وتعالى .. » (١).

وقول شيخنا عليه رحمة الله بأن النهي عن البيع لعينه، كأنه رأى أن النهي عائد إلى ذات البيع، وليس لأمر خارج، والحقيقة أن النهي وإن كان نهيًا عن البيع، لكنه معلل بأمر خارج، فليس النهي عن البيع عند نداء الجمعة، كالنهي عن بيع الغرر، والنهي عن الربا، والنهي عن القمار، فهذه البيوع هي البيوع المنهي عنها لذاتها، ولذلك لو انشغل عن السعي للصلاة بغير البيع كان منهيًا عنه أيضًا، مما يدل على أن النهي ليس لذات البيع، فالعلة من الأمر بترك البيع منصوص عليها في سياق الآية، فقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:٩] يعلم منه التعليل للنهي عن البيع بكونه مانعًا من السعي إلى الجمعة، إذ لو قدرنا النهي عن البيع مطلقًا من غير رابطة الجمعة كان الكلام غير منتظم.

فقوله تعالى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:٩] مقصوده الحفظ على إقامة الجمعة، وعدم التفريط فيها، وقوله: {وذروا البيع} [الجمعة:٩] جار مجرى التوكيد لذلك بالنهي عن ملابسة ما يشغل عن السعي إليها، لا أن البيع تحول إلى منهي عنه لذاته، والله أعلم.

ولذلك قال الجصاص: «لما لم يتعلق النهي بمعنى في نفس العقد، وإنما تعلق بمعنى في غيره، وهو الاشتغال عن الصلاة، وجب أن لا يمنع وقوعه


(١) الشرح الممتع (٨/ ١٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>