تارة يقول: عن مالك، عن الثقة عنده، عن عمرو بن شعيب. وتارة يقول: مالك، بلغني عن عمرو بن شعيب، ولا فرق بين هذين الطريقين، قال ابن عبد البر في التمهيد (٢٤/ ١٧٦): «وسواء قال: عن الثقة عنده، أو بلغه؛ لأنه كان لا يأخذ ولا يحدث إلا عن ثقة عنده». وما عدا ذلك فهو إما موضوع كطريق حبيب بن أبي حبيب، وإما شاذ كطريق الهيثم ابن اليمان. وقد رجح بعض العلماء أن يكون المبهم هو ابن لهيعة، فإن روايته لهذا الحديث مشهورة. وهو الأقرب، والله أعلم. والخلاصة: الحديث ضعيف، وهذه الطرق لا يعتبر بها؛ لأنها إما موضوع كطريق حبيب بن أبي حبيب، وإما شاذ كطريق الهيثم بن يمان، والشاذ لا يصلح للاعتبار به، ويبقى طريق ابن لهيعة، وإذا حملنا المبهم في رواية مالك على أنه ابن لهيعة لم يبق طرق للحديث يعتقد أن الحديث قد يرقى بها إلى الحسن. وقد أخطأ بعض الفضلاء عندما تكلم أن هذا الطريق أكثر العلماء على تصحيحه، موهمًا أن أكثر العلماء على تصحيح حديث النهي عن بيع العربان، وهو يقصد (إسناد عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) وهذا قد يتجاوز له ذلك لو صح الإسناد إلى عمرو بن شعيب، ولم يصح كما قد تبين من خلال التخريج، وكيف يصح، وقد ضعفه إمام الأئمة في الحديث، والخبير في العلل: الإمام أحمد ابن حنبل، وحديث ضعفه هذا الإمام لا أعتقد أن أحدًا في الدنيا بعده يستطيع أن يرفعه، وإذا حدثتك نفسك خلاف هذا فمن قصور في الفهم، وتقصير في الطلب أتي قائله، وليس الكلام في الفقه، فكل يؤخذ منه ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الكلام إذا كان في العلل فينبغي ألا يتجاوز أهله، وإن الإمام أحمد في هذا الشأن أمة وحده، وإذا كان البخاري يقول: رأيت أحمد بن حنبل وعلي ابن المديني وإسحاق بن راهوية، وأبا عبيد، وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، ما تركه أحد من المسلمين. انظر تهذيب التهذيب (٨/ ٤٤). فلماذا هنا الإمام أحمد ضعف هذا الحديث بخصوصه إذا كان يحتج بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، فقد جاء في بدائع الفوائد (٤/ ٨٨٧) «وفي رواية الأثرم: وقد قيل له: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن العربان، فقال: ليس بشيء». =