ولا بد من تطابق الدلالة القولية أو الفعلية (الإرادة الظاهرة) مع قصد الإنسان ونيته (الإرادة الباطنة)، فإن اختلفت الإرادة المعلنة عن الإرادة الظاهرة، كما إذا أراد شخص أن يشتري شيئًا معينًا، فأشار إلى شيء آخر، وكما لو كتب التاجر على بضاعته خطأ ثمنًا أقل من قيمتها، فهل المعتبر الإرادة الباطنة، أو المعتبر الإرادة الظاهرة؟ وسيأتي إن شاء الله تعالى عند الكلام على البيع الصوري خلاف الفقهاء فيما إذا جاء اللفظ مخالفًا للمعنى الذي أراده العاقد، فهل المعتبر اللفظ، أو المعتبر المعنى؟
فقيل: المعتبر هو المعنى الذي قصده العاقد، واللفظ تابع للمعنى، وهذا مذهب الحنفية والمالكية وأحد الوجهين في مذهب الشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة. وقيل: المعتبر اللفظ دون المعنى، وهو قول في مذهب الشافعية والحنابلة. وانظر أدلة كل قول في الباب المشار إليه، وسيأتي مسائل وتفريعات لهذه المسألة في باب اختلاف المتبايعين، سواء كان الخلاف على عين المبيع، أو على ثمنه، أو على اشتراط خيار فيه أو صفة بما يزيد الموضوع إن شاء الله تعالى وضوحًا. وهناك قول وسط اختاره ابن القيم، أن هناك فرقًا بين القضاء وبين غيره، ففي القضاء العبرة بالإرادة الظاهرة إلا إذا قامت قرينة على الإرادة الباطنة، فيحكم بها. فالمتكلم بصيغ العقود إذا قصد غير معناها نحو أن يقصد بقوله: أنت طالق، أي أنها طالق من زوج سابق، لا تلزمه هذه الصيغ فيما بينه وبين الله تعالى، وأما في الحكم فإن اقترن بكلامه قرينة تدل على ذلك لم يلزمه أيضًا؛ لأن السياق والقرينة تدل على صدقه، وإن لم يقترن بكلامه قرينة أصلًا، وادعى ذلك دعوى مجردة لم تقبل منه، انظر إعلام الموقعين (٣/ ١١٩) وما بعدها. وكما اختلف أهل الفقه، أختلف أهل القانون، فتجد في القانون نظريتين: نظرية الإرادة الظاهرة: حيث تعتمد في العقد على ألفاظ المتعاقدين، وليس على إرادتهما، فالمقدم هو المظهر المادي دون الإرادة الكامنة، وقد سادت هذه النظرية في التشريعات الألمانية، حيث ترى هذه النظرية أن الإرادة النفسية (القصد) شيء كامن في النفس، لا يجوز أن يكون لها أثر في القانون، وإنما الإرادة التي تنتج أثرًا قانونيًا هي الإرادة في =