عقدة البيع يدخل في خيار الشرط، والأصل في خيار الشرط الجواز هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذه المسألة على قدر كبير من الأهمية لوقوع التجار فيها، وأحيانًا لو انتظر المشتري؛ ليرى السلعة، فقد تفوته الصفقة؛ لكثرة الطلب عليها، والذي أفضله في المعاملات، خاصة في المسائل التي لم يرد فيها نص صريح، أن ينظر إلى مقاصد الشريعة في إباحتها ومنعها، فمن مقاصد الشريعة في المعاملات: إقامة العدل بين الناس، ومنع الظلم، ودفع الغرر الكثير، وإغلاق كل باب يؤدي إلى التنازع والتباغض، ومفسدة الغرر أخف من مفسدة الربا، فلذلك رخص في الغرر فيما تدعو إليه الحاجة منه، كما رخص في اليسير، وفي الشيء غير المقصود والذي يدخل تبعًا.
إذا عرفنا هذا يمكننا أن نقول: إن بيع الغائب إن وقع بلا وصف ولا رؤية فهو بيع جائز فيما أرى، ولكنه غير لازم، فللمشتري الخيار مطلقًا إذا رأى السلعة، وهنا نكون قد حققنا المصلحة لكل من المتعاقدين، مصلحة البائع، ومصلحة المشتري، من غير لحوق ضرر فيهما، ودفعنا خوف الوقوع في الغرر، بكون البيع لا يلزم إلا إذا رأى المبيع.
ولابد للمشتري أن يشترط الخيار في العقد؛ لأنه ليس هناك نصوص في ثبوت خيار الرؤية بمجرد العقد، وخوفًا من الاختلاف، أو من قول: إن الخيار لا يثبت إلا بالنص الشرعي كخيار المجلس، أو بالعرف، أو باشتراط، فإذا اشترط المشتري له الخيار انقطع النزاع.
وأما إذا اشترى البضاعة بالوصف، فإن كان الوصف مطابقًا لم يكن للمشتري الخيار إلا بعرف، أو شرط، ويكون البيع لازمًا، فإن وجد الصفة غير مطابقة، فللمشتري الخيار بين القبول أو الرد، وإذا تنازعا، فالبائع يدعي أن الصفة مطابقة للموصوف، والمشتري يدعي عدم المطابقة، فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه الغارم، والله أعلم.