ولا خلاف بين المسلمين من أن رجلًا لو قال لرجل أقرضني هذا الدينار، وأقضيك دينارًا إلى شهر، أو لم يحد وقتًا فإنه حسن وأجر وبر.
وعندنا إن قضاه دينارين، أو نصف دينار فقط، ورضي كلاهما فحسن.
ولو قال: بعني هذا الدينار بدينار إلى شهر، أولم يسم أجلًا، فإنه ربا وإثم وحرام، وكبيرة من الكبائر، والعمل واحد، وإنما فرق بينهما الاسم فقط (١).
وهذا القول من ابن حزم لاشك أنه من أضعف الأقوال، وهو يتسق مع جمود الظاهرية، لكنه مخالف للنصوص، ولعمل الناس من لدن الصحابة إلى يومنا هذا، وقياس البيع على القرض قياس مع الفارق، والذي فرق بينهما المعنى، وليس ظاهر الأسماء، فعقد البيع يقصد به المعاوضة والربح، وعقد القرض يقصد به الإرفاق والإحسان، ولذلك اغتفر فيه ما لا يغتفر في البيع، وقوله: إن البيع مثل الربا والذي فرق بينهما هو الاسم فقط مخالف للمنصوص والمعقول، فالله يقول على لسان أهل الجاهلية:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَاا}[البقرة: ٢٧٥]، فأي فرق بين هذا القول وبين قول ابن حزم عفى الله عنه، فقال الله سبحانه وتعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}[البقرة: ٢٧٥]، ولو كان الربا والبيع في المعنى واحدًا، لكان حكمهما واحدًا أيضًا، فإن الله لا يفرق بين متماثلين، ولا يجمع بين متفرقين إلا لحكمة بالغة، فلما فرق بين البيع وبين الربا علم أن هناك فرقًا بينهما ولابد، ولذلك اعتبر الشرع الربا من الظلم البين، {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}[البقرة: ٢٧٩].
إذا خلصنا أن ألفاظ البيع منها ما هو صريح وكناية، فاعلم أن صيغ الصريح والكناية التي وردت في كلام الفقهاء، هي الماضي والمضارع والأمر، والاستفهام، ولفظة (نعم) والجملة الإسمية، وسيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى.