للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كانت المسألة إجماعًا كما حكوا فالقول مسلم للإجماع، ولعلهم أجمعوا على ذلك، لأن العرف في زمنهم كان لا يقبل مثل ذلك إيجابًا، وليس مرد الاتفاق إلى الصيغة، وإن كان الإجماع لا يصح فالقول بالمنع مطلقًا حتى لو كان هناك عرف متبع قول ضعيف (١)، وسيأتي في آخر البحث بعد أن نحرر مذاهب أهل العلم في ألفاظ الإيجاب والقبول بأن القول الراجح أن البيع ليس له لفظ خاص، وأن الحقيقة العرفية مقدمة على الحقيقة اللغوية، بل ومقدم على الحقيقة الشرعية لو وجدت في مثل هذه الأبواب؛ لأن المتبع هو ما يفهمه المتعاقدان مما تعارفا عليه، وكان معبرًا عن إرادتهما بوضوح لا لبس فيه ولا إشكال، بأي لفظ كان من ماض أو مضارع أو أمر، أو جملة اسميه أو معاطاة، أو غير ذلك، وسواء تقدمه استفهام أو لم يتقدمه، إذا كشف ذلك بوضوح عن إرادة المتعاقدين، فقد تم البيع، والله أعلم.

ولذلك قد تجد صيغة الماضي صالحة لإنشاء بعض العقود، وغير صالحة لإنشاء عقود أخرى، والصيغة هي الصيغة، ومرد ذلك إلى العرف.


(١) ومما يكشف لك ضعفه، أن المالكية يجيزون الانعقاد بصيغة الاستفهام، ولكن المثال المطروح هو في الفعل المضارع، فإذا كان الفعل المضارع المقرون بالاستفهام يصلح أن يكون الإيجاب صالحًا، فالماضي من باب أولى، لأنهم اختلفوا في صلاحية المضارع المجرد عن الاستفهام، ولم يختلفوا في الماضي المجرد عن الاستفهام بكونه صالحًا للإيجاب.
جاء في مواهب الجليل (٤/ ٢٣٠): «إذا قال: المشتري: أتبيع سلعتك بكذا؟ فقال البائع: نعم، أو بعتكها، فقال المشتري: ما أردت الشراء، فهو كمسألة السوم ... كما صرح به ابن رشد في المذهب، وكما يفهم ذلك من كلام أبي إسحاق التونسي، وأبي الحسن وغيرهما، بل هي أحرى بعدم اللزوم».
قلت: الراجح في مسألة السوم عند المالكية الحلف أنه ما أراد الشراء، وإلا لزم كالمضارع.

<<  <  ج: ص:  >  >>