ولعل السر في أنهم لم يصرحوا باشتراط سماع القبول في البيع بين غائبين أنهم أطلقوا شرط سماع كل من العاقدين عند عدهم له من شروط الانعقاد، فأصبح هذا من المسلم به، والموجب وإن لم يسمع القبول فإنه يمكن تحقق شرط السماع بسماع حامل الكتاب، ومبلغ الرسالة؛ لأنهم توسعوا في شرط السماع كما رأينا. أما النصوص التي يدل ظاهرها على تمام البيع بمجرد قبول الغائب، فيمكن القول بأنهم لا يريدون بها هذا الظاهر، وإنما يريدون صحة القبول فيما وراء المجلس استثناء من شرط اتحاد المجلس، كما في نص الكاساني، أو صحة البيع بين غائبين بالكتابة، ولو من الجانبين بخلاف النكاح، كما في نص ابن عابدين، وهذا كما يقولون في صحة الانعقاد باللفظ بين حاضرين، لو قال: بعتك هذا بكذا، فقال: اشتريت، تم العقد اكتفاء بما ذكر من أن شرط الانعقاد سماع كل من العاقدين كلام صاحبه. ومما يؤيد أن قولهم بتمام البيع لا يدل دائمًا على استيفاء شروط الانعقاد، أن فعل الأمر لا يصلح أن يكون إيجابًا عند الحنفية، ولكن ورد عن محمد أنه لو كتب بعني بكذا، فقال: بعته، تم البيع، فقالوا: إنه ليس مراد محمد من هذا سوى الفرق بين النكاح والبيع في شرط الشهود، لا بيان اللفظ الذي ينعقد به البيع». اهـ يقصد أن الحنفية يشترطون في القبول بالنكاح عن طريق الكتابة أمرين: الأول: أن يكون هناك شهود يشهدون على سماع القبول، الثاني: أن يكون القبول باللفظ، بخلاف البيع فإنه ينعقد بالكتابة من الجانبين، ولو لم يكن هناك شهود يشهدون على سماع القبول من الطرف الثاني، ففرقوا في كتابة الإيجاب بين عقد النكاح وعقد البيع. القول الثاني: يرى أن الفقهاء لما تركوا النص على اشتراط السماع في البيع بين المتعاقدين الغائبين كان هذا منهم نصًا على أنهم لا يرون أن السماع شرط لإتمام العقد، وأنهم بهذا أرادوا التفريق بين بيع يقع بين متعاقدين حاضرين، وبيع يقع بين متعاقدين غائبين، فالأول سماع القبول شرط لإتمام العقد، والثاني ليس بشرط، وممن ذهب إلى هذا الدكتور =