للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان التسليم مؤجلًا، فذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز التأجيل في الأعيان؛ لأن من شرط المؤجل عند الجمهور أن يكون دينًا موصوفًا في الذمة، فلا يجوز التأجيل في المعقود عليه (ثمنًا، أو مثمنًا) إذا كان معينًا.

لأن تأجيل الأعيان ينطوي على غرر، حيث من الممكن أن يهلك الشيء المعين قبل حلول وقت أدائه، فيستحيل تنفيذه، بخلاف ما لو كان المسلم فيه موصوفًا في الذمة، فإن الوفاء يكون بأداء أية عين يتحقق فيها الأوصاف المتفق عليها.

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢].

فالآية تدل على جواز التأجيل في الديون، ولم يرد في النصوص ما يشير إلى جواز تأجيل الأعيان، ولهذا قال الكاساني في البدائع «التأجيل يلائم الديون، ولا يلائم الأعيان» (١).

وقال ابن عابدين: «الأعيان لا تقبل التأجيل» (٢).


(١) وتمام كلامه رحمه الله، قال في البدائع: «ومنها: شرط الأجل في المبيع العين، والثمن العين، وهو أن يضرب لتسليمها أجل; لأن القياس يأبى جواز التأجيل أصلًا; لأنه تغيير مقتضى العقد; لأنه عقد معاوضة تمليك بتمليك، وتسليم بتسليم، والتأجيل ينفي وجوب التسليم للحال، فكان مغيرًا مقتضى العقد، إلا أنه شرط نظر لصاحب الأجل لضرورة العدم ترفيهًا له، وتمكينًا من اكتساب الثمن في المدة المضروبة، ولا ضرورة في الأعيان، فبقي التأجيل فيها تغييرًا محضا لمقتضى العقد، فيوجب فساد العقد ويجوز في المبيع الدين، وهو السلم، بل لا يجوز بدونه عندنا على ما نذكره في موضعه، وكذا يجوز في الثمن الدين، وهو بيع الدين بالدين; لأن التأجيل يلائم الديون، ولا يلائم الأعيان; لمساس حاجة الناس إليه في الديون، لا في الأعيان على ما بينا».
(٢) حاشية ابن عابدين (٥/ ١٥٨)، وانظر فتح القدير (٦/ ٤٤٨)، الفتاوى الهندية (٣/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>