للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالملتزم بالعقد إنما يلتزم بإرادته هو، لا بتوافق إرادته مع إرادة الطرف الآخر، فهو يوجد حقًا في ذمته لشخص آخر بمجرد إعلان إرادته، وموافقة الآخر لهذا الحق إنما هو مجرد انضمام تطلبناه؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يلزم غيره بشيء إلا برضاه، فلكي يكون الالتزام من الجانبين تطلب ذلك موافقة الطرف الآخر، بدلًا من كونه ملزمًا من جانب واحد، والدليل على ذلك أن الشيء إذا كان لا يتطلب موافقة الطرف الآخر صار ملزمًا ولو من جانب واحد، وهذا له نظائر في الفقه:

فمن التصرفات التي تتم بإرادة منفردة في الفقه الإسلامي: الجعالة، والوصية، والوقف، والإبراء، واستعمال خيار من الخيارات، كخيار الشرط، وخيار العيب، وخيار الرؤية، وأيضًا الكفالة والهبة والعارية وغير ذلك من التصرفات.

وعلى قول المالكية جرت معظم قوانين المناقصة المعاصرة، على أنه يمكن تخريج الإلزام بالإيجاب وحده على قول الجمهور، ذلك أن الإيجاب إنما كان ملزمًا لصاحبه ليس بمقتضى العقد، ولكن عن طريق الشرط، فإذا اشترط في العقد أن يكون الإيجاب وحده ملزمًا لمن صدر منه مدة معينة لم يكن هذا مخالفًا لقول الجمهور، وإنما يدخل في باب الشروط في البيع، كاشتراط البائع أو المشتري ما له فيه منفعة.

قال السنهوري: «على أنه لا خلاف في الأمر إذا كان من صدر منه الإيجاب قد اتفق مع الطرف الآخر على أن يبقى ملتزمًا بإيجابه لا يعدل عنه مدة معينة فيكون التزام الموجب مستندًا إلى عقد تم بينه وبين الطرف الآخر، وهو غير العقد المزمع إبرامه، فإن هذا لا يتم إلا إذا اقترن القبول بالإيجاب» (١).


(١) نظرية العقد (١/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>