للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[م-٨٣٦] إذا عرفت ذلك، فهل يصح عقد الإجارة مع الإكراه إذا كان الإكراه بغير حق؟

اختلف العلماء في ذلك في عقد البيع، والإكراه على الإجارة مقيس عليه.

فقيل: ينعقد فاسدًا، وهذا مذهب الحنفية (١).


(١) المبسوط (١١/ ٦٤)، تبيين الحقائق (٢/ ١٧١) و (٥/ ١٨٢).
ومع أن الحنفية حكموا بأن البيع في حالة الإكراه ينعقد فاسدًا، إلا أنهم قضوا بأن الفساد بالإكراه يخالف البيوع الفاسدة في أربعة أحكام:
الأول: الفاسد لا يجوز بالإجازة، ويجب فسخه، إلا بيع المكره فإنه ينقلب صحيحًا بالإجازة، قولية كانت أو فعلية.
فالقولية: كأن يقول المكره بعد زوال الإكراه: أجزت العقد.
والفعلية: كأن يقبض المكره الثمن، أو يسلم المبيع طائعًا، بخلاف غيره من البيوع الفاسدة كبيع درهم بدرهمين مثلًا فلا يجوز، وإن أجازاه؛ لأن الفساد فيه لحق الشرع.

فأشبه بيع المكره في هذا الحكم العقد الموقوف كعقد الفضولي، بجامع أن كلًا منهما ينقلب صحيحًا بالإجازة، مع أن العقد الموقوف على الإجازة لا يفيد الملك قبلها، وبيع المكره يفيد الملك بالقبض، ولو لم يجز المكره العقد.
الثاني: العقد الفاسد بغير إكراه لا يجوز فسخه مطلقًا إذا تصرف فيه المشتري بأي نوع من أنواع التصرفات، إلا بيع المكره، فإن للمكرَه- بالفتح - حق استرداد العين، وإن تداولتها الأيدي إذا كان التصرف مما يقبل الفسخ كالبيع والإجارة؛ لأن الاسترداد فيه لحق العبد.
وإن تصرف فيها تصرفًا لا يقبل الفسخ كالإعتاق والتدبير والاستيلاد جاز، ولزمته القيمة.
الثالث: المشترى شراء فاسدًا يضمنه صاحبه يوم القبض لا يوم الإحداث، إلا بيع المكره، فإن لمالك العين أن يضمن المكرِه - بالكسر - يوم التسليم إلى المشتري، وإن شاء ضمن المشتري يوم قبضه، أو يوم أحدث فيه تصرفًا لا يحتمل النقض؛ لأنه أتلف به حق الاسترداد.
الرابع: المقبوض بعقد فاسد يضمنه قابضه مطلقًا، إلا المكرَه - بالفتح - فما قبضه فإنه أمانة في يده؛ لأنه قبضه بإذن صاحبه. انظر حاشية ابن عابدين (٦/ ١٣٢)، تبيين الحقائق (٥/ ١٨٢ - ١٨٣)، الجوهرة النيرة (٢/ ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>