فالذي ينبغي أن ننبه عليه أن طرح البضاعة في سوق المزاد لا يعتبر إيجابًا، لأن هذا الطرح هو مجرد عرض للبيع خال من الثمن،
وقد سبق لنا من خلال تعريف الإيجاب والقبول والذي توجهت له بالبحث في فصل مستقل أن هناك خلافًا بين الجمهور والحنفية في تعريف الإيجاب والقبول، فالحنفية يرون أن الإيجاب ما صدر أولًا، سواء كان اللفظ من البائع أو من المشتري، والقبول: ما صدر ثانيًا.
وأما الجمهور فيرون أن الإيجاب هو اللفظ الصادر من البائع، والقبول هو اللفظ الصادر من المشتري (١). وإذا كان الحال كذلك:
[م - ٧١] فمقتضى مذهب الحنفية أن يكون العطاء الذي يتقدم به المشتري وهو الإيجاب.
وإرساء المزاد يمثل القبول فيه، وبهذا ينعقد العقد.
وأما على مقتضى مذهب الجمهور فيكون الثمن المقدم من المشتري قبولًا متقدمًا على إيجابه، ويعد رسو المزاد من الإيجاب المتأخر على قبوله.
فإذا عرض المشتري ثمنًا للسلعة فإن هذا يعتبر قبولًا على مذهب الجمهور، ويعتبر إيجابًا على مذهب الحنفية، فإذا وقف النداء على أعلى ثمن قدم، ورضي البائع بالبيع فإن رضى البائع يعتبر إيجابًا متأخرًا على مذهب الجمهور، وقبولًا على مذهب الحنفية، والله أعلم.
وتكون هذه المسألة على قول الجمهور مبنية على جواز تقدم القبول على الإيجاب، والله أعلم.
(١) انظر العزو إلى كتب المذاهب في الفصل الثاني من هذا الباب.