ذهب الحنفية إلى أن الوعد لا يكون لازمًا إلا إذا كان معلقًا. مثاله: أن يقول رجل لأخر: بع هذا الشيء على فلان، وإذا لم يعطك ثمنه، فأنا أعطيك إياه. فإذا لم يعطه المشتري الثمن لزم الواعد أداء الثمن المذكور. أما إذا كان الوعد وعدًا مجردًا، أي غير مقترن بصورة من صور التعاليق، فلا يكون لازمًا. مثال ذلك: لو باع شخص مالًا من آخر بثمن المثل، أو بغبن يسير، وبعد أن تم البيع، وعد المشتري البائع بإقالته من البيع، إذا رد له الثمن، فلو أراد البائع استرداد المبيع، وطلب إلى المشتري أخذ الثمن وإقالته من البيع، فلا يكون المشتري مجبرًا على إقالة البيع، بناء على ذلك الوعد; لأنه وعد مجرد. كذلك لو قال شخص لآخر: ادفع ديني من مالك، والرجل وعده بذلك، ثم امتنع عن الأداء، فلا يلزم بوعده هذا على أداء الدين. انظر في مذهب الحنفية: المادة (٨٤) من مجلة الأحكام العدلية، وانظر درر الحكام شرح مجلة الأحكام (١/ ٨٧)، البحر الرائق (٣/ ٣٣٩)، الأشباه والنظائر بحاشية الحموي (٣/ ٢٣٧). القول الرابع: ذهب القاضي سعيد بن أشوع الكوفي، وابن شبرمة، واختاره بعض المالكية إلى وجوب الوفاء بالعدة، وأنه يقضى بها مطلقًا. انظر صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب من أمر بإنفاذ الوعد (٣/ ٢٣٦)، الفروق (٤/ ٢٥)، المحلى (٨/ ٢٨). القول الخامس: اختار تقي الدين السبكي الشافعي إلى أن العدة يجب الوفاء بها ديانة لا قضاء، ورجحه فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي. قال تقي الدين السبكي الشافعي كما في الفتوحات الربانية (٦/ ٢٥٨): «ولا أقول يبقى دينًا في ذمته حتى يقضى من تركته، وإنما أقول: يجب الوفاء تحقيقًا للصدق، وعدم الإخلاف». قال السخاوي: «ونظير ذلك نفقة القريب، فإنها إذا مضت مدة يأثم بعدم الدفع، ولا يلزم به، ونحوه قولهم: في فائدة القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة: تضعيف العذاب عليهم في الآخرة مع عدم إلزامهم بالإتيان بها». وقال الشنقيطي كما في أضواء البيان (٤/ ٣٠٤): «والذي يظهر لي أن إخلاف الوعد لا يجوز ... ولا يجبر به؛ لأنه وعد بمعروف محض». وقد ذكرنا أدلة الأقوال وبيان الراجح في مسألة سابقة عند الكلام على بيع المرابحة للآمر بالشراء، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، والحمد لله.